«الشاب الذى رأيته يجرى كان شابًا يافعًا فى ريعان العمر، كان من الممكن أن يكون بطلًا رياضيًا أو عالمًا أو واعظًا دينيًا، فلماذا اختار هذا السبيل؟ لست أفهم».
هكذا تكلم نجيب محفوظ لصحيفة الأهرام يوم 17 أكتوبر 1994، فى أول حوار صحفى له بعد ثلاثة أيام من محاولة اغتياله الفاشلة أمام منزله، يوم الجمعة 14 أكتوبر، وقبل أن تصدر المحكمة العسكرية العليا أحكامها فى القضية يوم 11 يناير«مثل هذا اليوم» 1995.
كان «أديب نوبل» وحسب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش «دار الشروق- القاهرة»: «يستعد للذهاب كعادته كل يوم جمعة إلى ندوته الأسبوعية فى كازينو «قصر النيل»، وأمام المنزل كان صديقه الدكتور البيطرى «فتحى هاشم» يقف فى انتظاره لينقله إلى الكازينو بسيارته «الفيات-ريجاتا» الحمراء رقم «328796» ملاكى القاهرة، وبمجرد أن جلس «محفوظ» فى المقعد الأمامى للسيارة، واستدار الطبيب فتحى هاشم ناحية الباب الآخر للسيارة وهم بفتحه، اقترب أحد الأشخاص من نجيب محفوظ، واستل «مطواة» وطعنه بها فى رقبته ولاذ بالفرار ليلتقى بباقى المجموعة الإرهابية فى مكان قريب من بيت «محفوظ».
تم نقل «محفوظ» إلى مستشفى الشرطة بـ«العجوزة»، وتبين إصابته بطعنة فى عضلات الرقبة من الجهة اليمنى وتهتك بالأوردة، وفى اليوم الثانى نجح الأمن فى القبض على اثنين من الإرهابيين المشتبه فى ارتكابهم للجريمة، بينما لقى اثنان آخران مصرعهما فى اشتباك مع الشرطة داخل وكر للإرهابيين بمنطقة عين شمس شرق القاهرة، كما تم القبض على كل المجموعة المكلفة بارتكاب هذه الجريمة، وتبين أنهم ينتمون للجناح العسكرى فى تنظيم «الجماعة الإسلامية» المحظورة، وتعرف الشاهد الرئيسى فى القضية الدكتور فتحى هاشم، على صورة المتهم الأول محمد ناجى مصطفى، ويعمل نقاشا، منفذ الجريمة خلال عرض مجموعة من الصور عليه، وكشفت التحقيقات مع خلايا التنظيم الإرهابى المتهم عن أنهم خططوا لتفجير معرض القاهرة الدولى للكتاب، المقرر عقده فى يناير 1995، وأن خطتهم الأصلية نحو نجيب محفوظ كانت اختطافه داخل سيارة أجرة واحتجازه كرهينة داخل وكرهم بـ«الخانكة»، مقابل الإفراج عن عدد من قياداتهم المحتجزين بالسجون، إلا أن تأخر المتهمين فى إحضار السيارة حال دون تنفيذ عملية الاختطاف، وأدى لتعجل المتهم محمد ناجى بطعن نجيب محفوظ.
أقدم المتهم الأول على جريمته بفتوى صادرة من قادة الجماعة الإسلامية بمصر، بإهدار دم نجيب محفوظ بحجة تعرضه للدين الإسلامى فى رواية «أولاد حارتنا»، وحسب حواره مع صحيفة الأهرام يوم 26 أكتوبر 1994، قال: «لم نقرأ الرواية ولكن تكليفًا صدر إلينا بقتل مؤلفها بعد قيام الجماعة باغتيال فرج فودة»، وأضاف أنه ليس نادمًا على ما فعل ولو قدر له الخروج من السجن فسيعيد ارتكاب المحاولة»، وفى اليوم التالى «27 أكتوبر» نشرت الأهرام ردًا على لسان «أديب نوبل»، قال فيه: «لا يجوز الحكم بالكفر غيابيًا على الناس دون مناقشتهم، كما لا يجوز إصدار الأحكام من أشخاص غير مؤهلين للفتوى، ولا يفهمون دينهم الفهم الصحيح. مازلت أكرر أن «أولاد حارتنا» مجرد عمل أدبى يجب النظر إليه بهذا المفهوم، وأنها رواية تنهى بتأكيد أهمية الإيمان بوجود الذات الإلهية».
فى يوم 1 نوفمبر 1994 أحيل 16 متهمًا بارتكاب الجريمة إلى القضاء العسكرى، وعقدت المحكمة العسكرية العليا أولى جلساتها يوم 6 ديسمبر، واستمعت إلى 25 شاهد إثبات ومرافعات 16 محاميًا من بين 25 محاميًا أثبتوا حضورهم كموكلين عن المتهمين، وفى يوم 11 يناير 1995 قضت المحكمة بإعدام كل من المتهم الأول محمد ناجى محمد مصطفى، والمتهم الثالث محمد خضر أبو الفرج المحلاوى، وبالسجن المؤبد لكل من المتهم الثانى عمرو محمد محمد إبراهيم، والمتهم الرابع حسين على بكر، وبالأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات لكل من المتهم العاشر ياسر أبو عطية، والثانى عشر عبدالحميد محمد أبو زيد، وبالسجن 5 سنوات على المتهم السادس على جمعة على، وبالسجن 3 سنوات على كل من المتهم الثامن مصطفى عبدالباقى والتاسع أحمد حسن أحمد، والثالث عشر محمد معوض عبدالرحمن، والخامس عشر فيصل شحاتة محمد، كما قضت ببراءة كل من المتهم السابع عبدالناصر جمعة على، والرابع عشر على حسن سباق، والسادس عشر صلاح محمد محروس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة