نحن أسرة تدين للنجم محمد هنيدى بفضل دخول جهاز «الفيديو» لبيتها ولبيوت أسر كثيرة حولنا.
كان عام 98 مختلفاً ومحورياً فى حياتى، شكّل ملامحى كلها من تفكيرى لأنماط سلوكى حتى علاقاتى المجتمعية، لسبيين الأول هو أن الله زادنا بسطة فى رزقه فانتقلنا إلى شقة جديدة فى منطقة سكنية لطيفة بعض الشىء كانت طفرة بكل معانى الكلمة، شكلاً وسكناً وجيراناً، والسبب الثانى بظهور فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» لبطله الشاب وقتها محمد هنيدى.
كانت علاقتنا محدودة بالسينما.. أسوان أصلاً لا تعرف من السينما سوى دار الصداقة بعد أن أغلق قصر الثقافة أبوابه أمام الجمهور، كان «هنيدى» هو أول بطل أشاهده فى السينما عن وعى وفهم وكبر كنت أبلغ من العمر 11 عاماً، خرجت من السينما كطفل تصعد روحه للسماء من الفرح، صرت أحكى لكل أقاربى وزملائى وجيرانى عن الفيلم وإفيهاته.. لم أشبع من هنيدى ولا فيلمه كنت أتحدث عنه لكل أصدقائى وأسألهم باستنكار: كيف لم تشاهدوه؟!.. وكطفل زنان نجحت فى إقناع والدى بشراء جهاز فيديو لنرى الفيلم كل ليلة وحتى يشاهده هو ووالدتى معنا أيضاً، وافق أبى بعد عناء، فكانت المتعة والبهجة الدائمة بضغطة زر.
كان هنيدى لا يغادر باب الفيديو قط.. يتبدل عليه كثيرون وهو صامد ومستمر شامخ يليق ببطل شباك متوجاً أعلى التلفاز.. كنا حين نريد أن نعبر عن كرم ضيافتنا لغريب جاءنا، فرجناه على الفيلم.. فى الصيف يأتى عمى وأبناؤه إلينا خصيصاً لمشاهدة هنيدى.. «ولما تيجى عمتى من البلد نقلعها الملس - بصوت سعيد صالح فى العيال كبرت» ونقضى ليالى الصيف على ضحكات وإفيهات الفيلم.
فى أحلك لحظات مشاجراتنا العائلية وحده هنيدى من يستطيع أن يصالحنا بعد أن يباغتنى محمد أخى الكبير ساخراً: «صحيح مصارين البطن بتتعارك.. لكن عمرك شفت مصران بيطرد مصران أخوه».. يضحك كل منا ونتجاوز عن الشحناء والبغضاء.
يقول هنيدى فى أحد لقاءات المتلفزة، إنه تلقى مكالمة هاتفية من أحد الصعايدة تشد من أزره بعد موجه انتقادات واتهامات له بالإساءة للصعيد عقب الفيلم، لكن لا يعلم هنيدى أن المكالمة جاءته من «واحد بلدياتنا» أعرفه جيداً وحكى لنا عن الواقعة.
أتذكر حين سافرت للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة كان مشهد وداعى على محطة القطار أقرب لمشهد وداع خلف الدهشورى للجامعة الأمريكية.. لن أنسى حين قال لى ابن عمى بضحك: «سلملى على ليلى علوى يا خلف»!.. نعم فى عصر ما بعد الحداثة تظل ليلى علوى رمزاً لمصر بالنسبة لأهالى الجنوب.
انطلق «خلف» بعدها، أقصد هنيدى فهو بالنسبة لى لايزال خلف الدهشورى أبرز من نجح فى أداء دور الصعيدى.. صعد بخطوات ثابتة نحو المجد والنجاح.. فى صيف كل عام يخوض هنيدى فيلماً جديداً.. همام فى أمستردام وبلية ودماغه العالية وصاحب صاحبه وغيرهم.. تتبدل الأفلام و«صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، محافظاً على مكانته، يطاردنى خلف ويطارد «فيديو» بيتنا سنوات وسنوات.
يمر تاريخ هنيدى أمامى الآن حين رأيت تراباً يكسو جهاز الفيديو المركون على رف المكتبة.. امسح بيدى عليه كأنى أملس على رأس هنيدى أو أنفخ فى شريط ذكرياتى، أسرح بخيالى وأتمتم: «لقد كبرنا حين كبر هنيدى يا أبى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة