أعلن الرئيس السيسى بكل وضوح بأنه مزمع أن يتخذ من الإجراءات الاقتصادية التى يمكن أن توصف بالقاسية جماهيرياً، وأنه لن يخضع لمنهج ترحيل المشاكل وإرجاء الحلول إلى مستقبل لا يدرى أحد نواياه، وذلك نتيجة للمشكلة الاقتصادية التى تراكمت أسبابها منذ عدة عقود.
وبالطبع فإن الحديث عن هذا الدواء المر يتكاثر ويتزايد بعد الموافقة المبدئية من صندوق النقد الدولى على منح مصر قرضاً قدره 12 مليار دولار على ثلاث دفعات بفائدة تصل إلى 2% وفترة سماح لمدة 39 شهراً، وبالطبع فإن قروض الصندوق لابد أن يصحبها خطة تسمى بالإصلاح الاقتصادى أو إعادة هيكلة الاقتصاد، وهنا لا يهم إذا كانت هذه الخطة من عنديات الصندوق أو هى خطة الحكومة التى تعلم مسبقاً بأنها ستتقدم بهذا القرض، حيث قدمت برنامجها للبرلمان بما يتسق مع شروط الصندوق.
نعم لا شك أنه لا يستطيع أحد تحميل المشكلة للسيسى أو لنظامه فهناك مشاكل خطيرة ومركبة ومتشابكة، فهناك اخفاض كبير فى عائد السياحة وعائد العاملين بالخارج، وكذلك عائد قناة السويس، نظراً للمشكلة الاقتصادية العالمية منذ 2008 ولانخفاض سعر البترول، وهناك ترهل إدارى قد أصبح عبئاً قاسياً على الموازنة فأخذ بلا عطاء ومطالب بلا إنتاج، نعم الدين الداخلى اقترب من 3 تريليونات جنيه والخارجى 53 مليار دولار، غير 25 مليار دولار لمشروع الضبعة، و30 مليار دولار منها قرض الصندوق لتطبيق خطة الإصلاح، هناك عجز فى الموازنة أكثر من 300 مليار جنيه، هناك خلل فى الميزان التجارى لأننا لا نعتمد على الإنتاج بل الاستيراد للضرورى والأكثر للاستهلاكى، نعم هناك مشكلة بطالة لكل هذا وغيره يزيد نسبة الفقر وينتج مشكلة الدولار التى هى نتيجة وليست سبباً.
ولذا فالحديث عن الدواء المر وتحمل الجميع لنصيبه فى الإصلاح لاخلاف على ذلك، لذا فمغازلة النظام بعدم الضغط على الفقراء مطلوب. ولكن الأهم هو كيف نحدد الدواء؟ ومن الذى سيتجرعه؟ وأى كمية تتوافق مع المحتاجين والفقراء ومع الأغنياء والكبراء، فالرئيس السيسى تبرع بنصف راتبه وبنصف ممتلكاته، فماذا عن الوزراء والمحافظين الذين يتفشخرون بسياراتهم ومرتباتهم وبدلاتهم بل يطلبون المزيد؟ ماذا عن أعضاء البرلمان الذين يقع أغلبهم فى طبقة الأغنياء وهم يداومون على طلب زيادة المخصصات؟ ماذا عن المهنيين «أطباء - مهندسون - محامون إلخ»، وهم لا تتجاوز حصيلة ضرائبهم نصف مليار من جملة أكثر من 300 مليار؟
نعم الدعم يستنزف ثلث الموازنة وطوال الوقت نعاير الفقراء بهذا الدعم فى الوقت الذى يستحوذ على غالبيته الأغنياء والقادرين فمن منعكم من توصيله إلى مستحقيه؟ تتحدثون عن رفع شرائح الكهرباء واستثناء الفقراء، فمن هم الفقراء الآن بعد اضمحلال الطبقة الوسطى وسحق الطبقات الفقيرة؟ فلماذا لا تخفض رواتب الوزراء والمحافظين ومن على شاكلتهم؟ ولماذا لا يطبق الحد الأقصى للأجور على الجميع؟ نعم خطة الإصلاح واجبة وتحمل الضرر مطلوب، ولكن أين العدالة فى توزيع تلك الأعباء حتى يشعر المواطن بعدالة تولد لديه انتماء وتدفعه إلى المشاركة أو التحييد وهذا أضعف الإيمان؟
والأهم هل الحكومة لديها الرؤية أaو القدرة على تنفيذ برنامج الإصلاح؟ وما الصعوبات أمامها؟ وما كيفية مواجهتها؟ وما خطتها لزيادة الإيرادات وتقليل المصروفات؟ وعلى حساب من سيكون هذا؟ وأين الخطة السياسية والإعلامية مع المواطن وليس الاكتفاء بالإعلاميين والمتخصصين حتى يعرف خطورة المشكلة ويقتنع بالحل؟ الأمر جاد وخطير، والحلول لابد أن تكون غير تقليدية، والجميع لابد أن يدفع الثمن، ولكن الأهم أن يكون هذا فى إطار عدالة اجتماعية ومساواة حقيقية ملموسة ومعاشة بعيداً عن الشعارات حتى تصبح مصر بحق لكل المصريين، فنخرج من الأزمة بسلام، حفظ الله مصر وشعبها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة