منذ سنوات كنت أتحدث مع أحد المسؤولين الثقافيين الكبار، وقد تطرق الحديث إلى العديد من القضايا الفكرية والسياسية، وحينما احتدم النقاش قال لى إن الثقافة فى مصر تواجه العديد من التحديات، وأهمها توغل التيار الدينى الذى ينظر إلى الثقافة والأدب والمسرح والموسيقى والغناء باعتبارها من المحرمات، لكنى اعترضت على كلامه قائلا: لو أردت أن تعرف رأى الشعب المصرى فى الثقافة وتعطشه إليها فعلا فلتنظر إلى مئات الآلاف من المصريين الذين يحرصون على زيارة معرض الكتاب كل عام، ولتنظر أيضا إلى جحافل البشر التى تتوافد كل عام على محكى القلعة لتنعم بالموسيقى والغناء والآثار على حد سواء، مؤكدا أن المصريين يحبون مفردات الثقافة المصرية حقا، لكنهم للأسف لا يجدونها ولا تقدم إليها بالشكل المناسب وفور حدوث هذا يتوافدون عليها بشغف كبير، وقد جاء هذا العام من محكى القلعة ليؤكد ما قلته لهذا المسؤول، إذ يشهد الإقبال الكثيف على هذا الموسم المبهج على حب المصريين للحياة وتقديسهم للفرح والبهجة.
من يريد أن يرى شعب مصر فى أفضل حالاته المضيئة فليذهب إلى قلعة صلاح الدين هذه الأيام، فقد استطاعت الفنانة الكبيرة «إيناس عبدالدايم» خلق حالة عالية من البهجة الحقيقية هذا العام لتثبت أن دار الأوبرا قادرة على مخاطبة جميع فئات الشعب المصرى، وتثبت أن المصريين بحاجة فقط إلى من يقدم لهم ثقافتهم بطريقة مناسبة وأنهم سوف ينهلون من تلك الثقافة لتنسرب فى وجدانهم العامر بسلاسة ويسر، والأهم من هذا أن هذا الاستقبال المبهج يترك فى القلب آثارا راسخة لقيم كنا نحسبها ماتت وتحللت.
كاذب من يدعى أن هذا البلد مهدد بالموت، فحب الحياة والتغنى بها حتى فى أحلك الأوقات سمة من سمات الشعب المصرى منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا، ومن لا يصدقنى فليجرب ويذهب إلى مهرجان «محكى القلعة» الذى يقام الآن وسيستمر حتى 2 سبتمبر المقبل، لتتشابك روح الغناء المصرى الأصيل مع الغناء الشبابى المتألق وتلتقى أجيال من الموسيقى العربية والغربية فى حضن واحدة من أهم المنشآت الأثرية فى العالم الإسلامى، حيث يعلو صوت الحب ولا صوت يعلو فوق صوت البهجة المباغتة، وسط هذه الأيام العصيبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة