كلما رفعت مقالًا لى على صفحتى على الـ«فيس بوك» أو «تويتر» يقرؤه عدد قليل من الأصدقاء، لكن عندما نصحنى ابنى بتغيير صورتى «البروفايل» على صفحتى بالـ«فيس بوك» وقمت بالمطلوب، وجدت أن مئات الأصدقاء الافتراضيين والفعليين على الـ«فيس بوك» منحونى لايكات وتعليقات لطيفة ترفع من روحى المعنوية، مثل «نجم.. وبرنس.. ومتألق.. وشباب... إلخ»، والمفارقة أن أغلب المعلقين كانوا من الأصدقاء الافتراضيين الذين لم ألتقِ بهم يومًا، إنما تقتصر علاقتنا على عالم الـ«فيس بوك».
أدهشنى الاهتمام ودفعنى لقراءة كل التعليقات، وبدأت فى البحث عن ظاهرة نشر الصور الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعى، ووجدت اهتمامًا بحثيًا كبيرًا بالظاهرة، حيث تناولت مئات البحوث والرسائل العلمية أسباب هذه الظاهرة ودوافعها، وفوائدها وسلبياتها، وللأسف لم أجد بحوثًا باللغة العربية.
أشارت بعض البحوث إلى أن ظاهرة اهتمام المستخدمين وأصدقائهم بصور «البروفايل» والصور الشخصية تعكس نوعًا من تمجيد الذات والاعتزاز بها، وقد يصل هذا الأمر عند بعض الأشخاص إلى نوع من عبادة الأنا، فتجد هؤلاء الأشخاص ينشرون صورهم على مدى اليوم، وتسجل هذه الصور أنشطتهم الحياتية العادية دون تعليقات كثيرة.
الصورة عند هؤلاء أفضل من أى كلام يُكتب، لأنهم يعيشون فى صور ويتواصلون مع العالم الخارجى فى صور، لذلك يعانى هؤلاء من اضطراب فى الشخصية، قد يأخذ شكل المرض النفسى، إذا ما توقفوا عن بث الصور لأى أسباب، مثل الإصابة بالأنفلونزا أو زيادة الوزن.. ففى هذه الحالة سيتوقفون عن العيش كصور، لأن شكل الجسد والوجه ليس هو الشكل الذى يحبون إظهاره، وبالتالى قد يصابون بالاكتئاب، أو على الأقل يعانون من مظاهر التوقف المفاجئ عن إدمان العيش فى صور.
كثير من البحوث أكدت أهمية صورة البروفايل فى الـ«فيس بوك» و«إنستجرام» و«واتس آب» و«تويتر» من وجهة نظر المستخدمين، وأشارت إلى معايير اختيارها، والتى تخضع لاعتبارات ذاتية تمامًا، تتعلق بإدراك الشخص أن هذه الصورة تظهره بشكل أجمل أو بالشكل الذى يرضى عنه، ويقدمه للناس بطريقة جذابة، وتبين أن بعض الأشخاص يركزون على إظهار وظيفتهم أو مهنتهم فى صورة البروفايل، فيتعمدون ارتداء ملابس أو إظهار إشارات وعلامات تكشف عن مهنتهم أو تعليمهم، وأحيانًا يفضل البعض إظهار هوايته الشخصية، أو النادى أو الحزب الذى ينتمى إليه.
وفى إطار الاهتمام بصورة البروفايل وجدت بحوثًا كثيرة تقدم نصائح للمستخدمين فى كيفية حماية صورة البروفيل، والخصوصية لمنع المتطفلين أو القراصنة من تغيير البروفيل أو التلاعب به واستغلاله، وأتصور أن هذا الاهتمام قد يكون مفهومًًا ومبررًا بالنسبة لحسابات المشاهير، لكن تعميم هذا الاهتمام لكل المستخدمين يعنى إكساب كل فرد أهمية ما، فثمة حيل تكنولوجية عليه أن يتعلمها حتى يقاوم ويدافع عن صورته وخصوصيته، بالرغم من أن أغلب المستخدمين ليست لديهم أشياء خاصة يمكن استغلالها ضدهم، كما أن حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعى قد لا تعنى للآخرين شيئًا مهمًا.
أخيرًا، أتمنى من شباب الباحثين وطلاب الماجستير والدكتوراة فى الإعلام، وعلم النفس والاجتماع، والسياسة الاهتمام بدراسة الجوانب المختلفة لظاهرة تمجيد الصور الشخصية، والعيش كصورة، والعيش فى صورة على وسائل التواصل الاجتماعى، عوضًا عن دراسة موضوعات قديمة وتقليدية بعيدة عن الواقع الحياتى أو الافتراضى الحالى.
عدد الردود 0
بواسطة:
د. سهير صالح
زيف الشخصيات على مواقع التواصل
مقال رائع لاستاذ مبدع ودكتور راقي. .وأنا عن نفسى اتفق معه لان لى راى فى الفيس ومواقع التواصل وهو أن معظم من يستخدمها لا يظهر حقيقة شخصة ولكن يتجمل لأقصى درجة قد تصل لمرحلة الزيف غير المبرر سوى بالرغبة فى اكتساب مكانه لدى الآخرين ومن ثم يهتم بالشكل والصور التى تدعم هذا الاتجاه ويبذل جهدا لاختيار أفضلها ..