الأقباط فى رقبتنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
يستغل بعض المغرضين والمتطفلين على موائد العلوم الشرعية مسألة اختلاف الدين بين أبناء الوطن الواحد ويتخذونها مدخلا لإثارة الفتنة وإحداث الشقاق، وبلبلة أفكار البسطاء من الناس، وهؤلاء ما بين متهم للأزهر وناسب له من الأقوال والآراء ما لم يقله فى حق أبناء الوطن من غير المسلمين، وما بين مطالب بفرض الجزية عليهم، وربما يتمادى البعض زاعما وجوب تهجيرهم وطردهم من بلاد المسلمين، وليس ببعيد ما تفعله داعش وأخواتها فى سوريا والعراق وغيرهما، وما يردده بعض المدعين على الفضائيات وفى صفحات الجرائد، والحقيقة التى لا مراء ولا لبس فيها أن هذه الآراء والمسالك لا علاقة لها بصحيح الدين الذى نعرفه، ولا نجد لها فى تراث السابقين المفترى عليهم منزعًا، ولا فى أقوال وأفعال العلماء الثقات من المعاصرين داعمًا ولا شاهدًا، فما نعرفه من شريعتنا السمحة وحتى فى تقسيمات الفقهاء القديمة للعالم ومن فيه، وإن كانت فى حاجة إلى إعادة نظر واجتهاد لتلبى واقع العالم المعاصر، أن بلاد المسلمين أو ما كان يعبر عنه عند الأقدمين بدار الإسلام تعنى البلاد التى تحكم بمسلمين وتغلب فيها أحكام شريعة الإسلام، وهى تشمل المسلمين وغير المسلمين الذين ينتمون إلى هذا البلد أو ذاك، ولم يقل أحد لا قديما ولا حديثا، إن بلاد المسلمين تختص بالمسلمين وحدهم، ومن يزعم هذا فعليه بالدليل، وكيف لشخص أن يزعمه وكتاب الله عز وجل وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، يصعب على متتبع لنصوصهما حصر ما يكذب زعمه ويرسخ للتعايش السلمى بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين وغيرهم؟
وإذا كانت النظرة العامة للشريعة هى اعتبار غير المسلمين من النسيج الوطنى لبلاد المسلمين، وأنهم شركاء للمسلمين فى الحقوق والواجبات سواء بسواء فيما عدا الأمور العقدية، فإنهم وما يعتقدون ولا تفرض عليهم عقيدة المسلمين، وكذا ما يتعلق بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث، فلا يلزمون فيها بأحكام شريعة الإسلام، ولا يطالبون بها إلا إذا أرادوا الاحتكام إليها اختيارًا، أما فيما يتعلق بالتعايش المجتمعى فإن من البر برهم الذى لم ننه عنه ومنه تهنئتهم بأعيادهم، قال تعالى: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وقد خُص الأقباط فى مصرنا العزيزة بوصية هى فى رقابنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث قال رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وسلم: «اللهَ اللهَ فى أقباط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم فيكونون لكم عدة وعونًا فى سبيل الله»، وقوله، صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بأهل مصر خيرًا، فإن لهم ذمة ورَحِما»، وقد أجمع الفقهاء العالمون بأحكام شريعتنا الغراء ممن يعيبهم جهلاء عصرنا اليوم على تحريم كل صور الإيذاء أو الاعتداء على غير المسلمين من أهل دار الإسلام ووجوب عقاب المعتدى من المسلمين وكأنه اعتدى على مسلم، ولِمَ لا وهم يحفظون قول رسولنا، صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذميًّا فقد آذانى»، وقوله: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا»، وروى أنه، صلى الله عليه وسلم، أمر بقتل مسلم لأنه قتل معاهدا غيلة، وقال: «أنا أحق من وفَّى بذمته».
أما القول بوجوب إخراج غير المسلمين من بلاد الإسلام ما لم يدفعوا جزية مالية، فمردود عليه بأن المراد من الجزية المنصوص عليها فى كتاب الله عز وجل هو العهد والأمان بينهم وبين المسلمين، والبدل النقدى الذى أخذه منهم رسولنا، صلى الله عليه وسلم، وصحابته من بعده فى مقابل التكفل بحمايتهم والدفاع عنهم كان فى وقت لم يكن مطلوبا من غير المسلمين مشاركة المسلمين فى تصديهم للمغيرين على بلاد المسلمين، أمَا وقد أصبح غير المسلمين كالمسلمين فى وجوب الانخراط فى الجيش كمجندين وإخضاعهم لما يخضع له المسلم من دفع للضرائب وغيرها، فلا مانع من إعادة النظر فى ذلك والاجتهاد فيه بحيث يبقى المعنى العام والهدف المنشود من عقد الجزية وهو الأمان والتعايش السلمى، وإسقاط البدل المالى، فلم يأتِ الإسلام لجباية المال ولا لإذلال الناس ولو كانوا من غير المسلمين، فالآدمى مكرَّم بطبعه بكتاب الله عز وجل، فضلا عن أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والدواعى والأحوال، وإعادة الاجتهاد فيما يحتمل الاجتهاد، ولو كان منصوصًا عليه فى كتاب الله ليس بدعًا فى شرعنا، فنعلم جميعًا وقف صرف الصدقات للمؤلفة قلوبهم منذ عهد الصدِّيق إلى يومنا هذا باجتهاد من سيدنا عمر، رضى الله عنه، وعن الصديق، مع أنهم منصوص عليهم فى كتاب الله، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، والعلة من صرف الصدقات لهم هى تكثير عدد المسلمين فى عهد النبى، صلى الله عليه وسلم، وإمهال المؤلفة قلوبهم فترة يتعرفون فيها الإسلام حقا لتستقر عقيدتهم، وقد زالت هذه العلة بكثرة المسلمين فى زمن الصديق، رضى الله عنه، ومضى من الوقت ما يكفى لاستقرار عقيدتهم، ولذا قال لهم سيدنا عمر: «كان رسول الله يعطيكم تأليفًا لقلوبكم وتكثيرًا لسواد المسلمين، أمَا وقد أعز الله المسلمين بالمسلمين، فإن كنتم من الفقراء أعطيناكم وإلا بيننا وبينكم السيف».
وعليه، فإذا كانت هذه نظرة اجتهادية ثاقبة فى فهم آية فى كتاب الله بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، بأشهر قليلة وليس بعدة قرون، فيكون من الأولى لفقهاء عصرنا الثقات إعادة النظر فيما يحتمل الاجتهاد بما يحقق مصالح الناس ويرسى قواعد التسامح والعيش المشترك بين نسيج الوطن الواحد من المسلمين وغيرهم بعيدًا عن الجمود المذموم من السابقين واللاحقين.
عدد الردود 0
بواسطة:
مسيحى
كلام جميل يا مولانا
ولكنه لا يحدث على الأرض ، فمثلا حضرتك قلت ان غير المسلمين يحتكمون لعقائدهم وفى نفس الوقت حكمت محكمة الأحوال الشخصية من يومين بخلع امرأة مسيحية من زوجها بينما لا تقر الديانة المسيحية الطلاق !
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
حقوق جميع البشر هى من السماء وليست من صناعة البشر
الخالق اغطانا الحياة والعمر لنعيش سعداء فى محبة وسلام مع اللة ....تحب الرب من كل القلب وتحب قريبك كنفسك والمقصود بالقريب كل البشر باشكالهم ......لم يميز بين هابيل وقابيل الا فى محبة اللة......وقال السيد المسيح رئيس هذا العالم اتى بعدى وليس يملك فى شىء وكان يشير الى مملكة الشيطان ورئيسها القادمين بعد السيد المسيح.......