لماذا نتجاهل التجارة مع أفريقيا؟.. أكثر ما يؤلمنى غياب ثقافة التجارة مع أفريقيا عن رجال أعمالنا وعن الدولة بشكل عام، رغم أنها أكثر ربحًا من التجارة مع أوروبا وأمريكا، لعدة أسباب، أهمها أن أفريقيا سوق كبير وواعد، ويستطيع استيعاب الكثير من الأنشطة التجارية، وفوق ذلك قرب المسافات وقلة التكلفة وتوافر المواد الأولية فى الدول الأفريقية، بالإضافة إلى وجود عدد من الاتفاقيات المبرمة على مستوى القارة والتى توفر ميزات مالية لدول القارة.
بالنسبة لنا فإن التجارة مع أفريقيا تحقق لنا أهدافا كثيرة منها توفير العملة الأجنبية، خاصة إذا اعتمدنا ثقافة التبادل التجارى بيننا وبين الدول الأفريقية، بمعنى استيراد اللحوم من إثيوبيا والسودان على سبيل المثال، مقابل تصدير منتجات تحتاجها هذه الدول من مصر، لكن من المؤسف أن مصر التى كانت حاضرة بقوة فى أفريقيا أصبح دورها هامشيا الآن فى القارة، وتركت الباب مفتوحا أمام تركيا وإيران وإسرائيل، فحجم التبادل التجارى بين مصر وأفريقيا حتى الآن لا يتجاوز الأربعة مليار دولار، كما أن إجمالى الاستثمارات المصرية فى أفريقيا، لم تتجاوز 7.8 مليار دولار، وهى أرقام هزيلة جدًا.
بكل تأكيد فإن الدولة لديها رغبة فى تنشيط العلاقات الاقتصادية بينها وبين إفريقيا، باعتبارها أحد الخيارات المهمة المطروحة الآن لمساعدة الاقتصاد المصرى، وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية، لذلك استضافت شرم الشيخ يومى 20 و21 فبراير الماضى، فعاليات منتدى أفريقيا 2016، الذى نظم للمرة الأولى بمبادرة ورعاية مصر؛ لبحث وسائل تعزيز التجارة والاستثمار والتعاون الثنائى فى المجالات التنموية بين دول القارة الأفريقية، وجاء هذا المنتدى كمرحلة ثانية من الجهد المصرى الرامى إلى تحقيق الاندماج الاقتصادى الإقليمى فى أفريقيا، وذلك فى أعقاب الاتفاق الثلاثى التاريخى بين الكوميسا والسادك، ومجموعة شرق أفريقيا الذى وقع فى شرم الشيخ خلال يونيو 2015 والذى بموجبه أطلق أحد أكبر التكتلات التجارية فى القارة الأفريقية، ويضم 26 دولة، بإجمالى ناتج محلى يصل إلى حوالى 1.2 تريليون دولار، لخدمة سوق بها نحو 625 مليون مستهلك، ويساعد هذا الاتفاق فى زيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية لدول هذا التجمع الاقتصادى الواحد، خاصة فى مجال البنية التحتية لخلق شبكة طرق ومواصلات وموانئ جديدة لكى تستوعب حركة التجارة الجديدة، ومن المفترض أنه يعمل على زيادة حجم الصادرات المصرية لأفريقيا، وفتح أسواق جديدة فى أفريقيا تستوعب الصادرات المصرية وصادرات الشركات الأجنبية العاملة فى مصر، والتى تستفيد من خلال التصدير عن طريق مصر بإعفاء جمركى ورسوم الواردات، ومن ثم فتح منافذ جديدة أمام الصادرات المصرية فى السوق الأفريقى، لكن للأسف لم يحدث شىء من هذا، والسبب أن ثقافة رجال أعمالنا ما زالت تتجاهل العمق الأفريقى.
قد يكون مطلوبًا من الدولة أن تعيد التفكير مرة أخرى فى تبنى شراكة حكومية مع دول القارة من خلال إنشاء شركات جديدة تديرها الدولة، طالما أن مستثمرينا غير مؤهلين للعمل فى أفريقيا، اللهم إلا قليلين قرروا خوض التجربة وتحقق لهم ما أرادوا، وربما يكون من المفيد إعادة هيكلة شركة النصر للاستيراد والتصدير التى كانت ذراع مصر الاقتصادى فى القارة السمراء فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.
لكن بجانب تحركات الدولة فعلى المستثمرين المصريين إدراك حقيقة واضحة، وهى أنهم أمام خيارات متعددة وفى نفس الوقت مضمونة المكاسب والأرباح، أهمها انضمام مصر للسوق الواسعة للدول الأعضاء فى الكوميسا والتى يصل تعدادها لنحو 400 مليون نسمة، الأمر الذى يعد متنفسا للعديد من المنتجات المصرية، حيث تستطيع النفاذ لأسواق 14 دولة من الدول الأفريقية دون سداد رسوم جمركية، نتيجة للإعفاءات المتبادلة، فضلًا عن الاستفادة من هيكل واردات الدول الأعضاء، حيث تقبل تلك الدول على استيراد العديد من السلع التى تتمتع مصر بميزة عالية فى إنتاجها.
ومن المزايا التفضيلية أيضًا استيراد العديد من المواد الخام اللازمة للصناعة، بإعفاء جمركى خاصة وأن أغلب دول الكوميسا تعتمد على تصدير خامات ومواد خام وسلع رئيسية، مثل النحاس والتبغ والبن والشاى والجلود الخام واللحوم والسمسم، مع الاستفادة من المساعدات المالية التى يقدمها بنك التنمية الأفريقى وغيره من المؤسسات المالية الدولية، فى مجال تنمية الصادرات إلى دول أفريقيا، بالإضافة إلى المكاسب الأخرى الناتجة عن التعاون فى مختلف المجالات الصناعية والزراعية، وكذلك فى مجالات النقل والمواصلات.
هناك خيارات كثيرة ومتنوعة، لكن الأمر يحتاج لجرأة من رجال أعمالنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة