ينقص مصر كأى دولة آخذة فى النمو الاقتصاد المتكامل الجوانب، إذ إنها فى الصورة الغالبة مازالت دولة زراعية فى المقام الأول، ويتبعها بعض الخدمات والصناعات الصغيرة والتجميعية والتعدين والتشييد والبناء. ولذلك فإنها تعتمد على الأسواق الأجنبية لتصدر لها الشيء القليل، وتستورد منها الشيء الكثير من المواد الخام والنصف مصنعة وكاملة الصنع اللازمة للإنتاج وللاستهلاك المحلى.
ولذلك فإن مصر يمكنها أن تعتمد - فى مرحلة التنمية الاقتصادية الجارية منذ تولى الرئيس السيسى إدارة البلاد - فى تمويل التنمية الاقتصادية الشاملة على "الحد من استيراد سلع الاستهلاك"، على وجه الخصوص فى الفترة المتوسطة المقبلة. إذ أنها وسيلة فعالة من وسائل تكوين الادخار ( بالعملة المحلية والأجنبية أيضاً). وذلك لأن الحد من استيراد سلع الاستهلاك يترجم بنقص الاستهلاك القومى (العام والخاص)، أى بعبارة أخرى يزيد من "الادخار الإجباري"، ويترجم أيضاً إلى توافر عملات أجنبية (والتى تنقص مصر كثيراً هذه الأيام)، والتى يمكن أن تخصص لشراء الآلات والمعدات اللازمة للتنمية الاقتصادية والأسلحة اللازمة للأمن القومى كما يطالب السيد رئيس الجمهورية فى كل خطاباته، وبذلك يتم توفير التمويل المطلوب للتنمية الشاملة وحفظ الأمن القومى للبلاد عن طريق تحويل جزء من متحصلات الصادرات من استيراد سلع الاستهلاك إلى استيراد سلع الإنتاج. وعلى ذلك يجب أن يكون منع أو تخفيض الاستيراد إلى أضيق الحدود مركزا فى البلاد التى يمكن أن تستخدم عملاءها فى شراء السلع الإنتاجية.
ولكن يظل السؤال، ما هى نتائج تمويل التنمية الشاملة عن طريق الحد من استيراد سلع الاستهلاك ؟ فالواضح من تجاربنا السابقة أن الحد من استيراد سلع الاستهلاك عندنا فى مصر ( حيث الأجهزة الإنتاجية غير المرنة مع عدم وجود البديل المحلى ) يؤدى إلى نقص واضح فى عرض هذه السلع الاستهلاكية. ويترجم هذا النقص، مع عدم انخفاض الطلب على تلك السلع، إلى ارتفاع فى الأسعار (أى تضخم)، ويحقق المنتج المحلى من وراء ذلك (فى ظل غياب قوانين صارمة لوقف الممارسات الاحتكارية) أرباحاً استثنائية ضخمة من خلال استغلالهم للمستهلك البسيط. ونتيجة ذلك أن عملية تمويل التنمية الاقتصادية عن طريق الحد من الاستيراد تنتهى إلى قيام طبقة المستهلكين بادخار عينى إجبارى لصالح طبقة المنتجين، وبذلك تكون طبقة المنتجين قد أثرت على حساب المستهلكين بسبب التنمية الاقتصادية.
والمعنى هنا واضح أمام الحكومة، إذ يجب وهى تمول التنمية الاقتصادية عن طريق الحد من استيراد سلع الاستهلاك ( إن اتخذت هذا الدرب نهجاً ) أن تقوم بتطبيق ضرائب اضافية على الأرباح الاستثنائية التى تحققه للمنتج المحلى، وذلك لعلاج هاتين النتيجتين، خاصة ما استمرت هذه الأرباح، وعلى أن تخصص حصيلتها لشراء ما يلزم التنمية كما سبق ذكره، وبالعمل على زيادة إنتاج السلع الاستهلاكية فى الداخل لمنع استمرار ارتفاع الأسعار، وعلى أن يخصص جزء لا بأس به من العملات الأجنبية التى سوف توفر، لشراء الآلات والمعدات اللازمة لإنتاج هذه السلع وسد احتياجات الامن القومى المتزايدة.
ولكن ننبه إلى أن زيادة إنتاج سلع الاستهلاك من الداخل قد يتطلب وقتا، مما يسمح لاستمرار التضخم ولارتفاع الأسعار لفترة حتى يتم إنتاج ما يكفى من سلع الاستهلاك لتغطى أكبر قدر ممكن من احتياجات السوق المحلى. ويلاحظ أن تمويل التنمية الشاملة عن طريق الحد من استيراد سلع الاستهلاك، فى مصر، وإن أدى على الأقل فى مرحلته الأولى، إلى ما تؤدى إليه الضريبة من ادخار إجبارى، إلا أنه يزيد عليها ما يوفره من عملات اجنبية اضافية، بينما لا تفعل الضريبة إلا أن تحقق وفرا للدولة من عملات محلية فقط. وأخيراً فإن سياسة الحد من استيراد سلع الاستهلاك تترجم بحماية الصناعة الوطنية، بينما تعتبر الضريبة عبئاً على الصناعة الوطنية.
ان مصر فى أشد الحاجة للعملات الأجنبية وإلى استيراد المشروعات لا استيراد المنتجات. أوقفوا الاستيراد ولننتج محلياً قدر ما استطعنا لنوقف نزيف تسرب الدخل القومى إلى الخارج ولنحافظ على العملات الاجنبية لنضعها فيما يفيد التنمية الاقتصادية ومستقبل هذا البلد، بدلا من إهدارها فيما لا ينفع كما يفعل البعض هذه الايام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة