وبرز فى رد المحكمة تأكيدها على أن القوات المسلحة انحازت إلى الشعب ونفذت إرادته بعزل الرئيس المعزول محمد مرسى.
وقالت المحكمة فى نص حيثيات حكم "التخابر مع قطر"، إنه بخصوص الدفوع المبداة من الدفاع الحاضر مع المتهم الأول بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى، طبقًا للمادة 159 من دستور سنة 2014 وطبقًا للقانون 247 لسنة 1956 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، على زعم من القول بأن المتهم الأول هو الرئيس الشرعى للبلاد ولم يفقد حقه فى المحاكمة بصفته رئيس الجمهورية، استنادًا إلى أن العبرة بالصفة وقت ارتكاب الجريمة، وبطلان جميع إجراءات التحقيق، وبطلان أمر الإحالة، لمخالفتهما نص المادة 159 من دستور 2014 ، وببطلان إجراءات المحاكمة لمخالفتها ذات المادة من الدستور والقانون رقم 247 لسنة 1956 لأن الجهة التى يُحاكم بها رئيس الجمهورية هى محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وقالت المحكمة إن الرد على هذا الزعم يستلزم بداءة التعرض لتحديد الفرق بين الثورة والانقلاب، ما يستلزم قبل الإشارة إلى الفرق بينهما تحديد من صاحب السيادة فى البلاد.
من المقرر فى النظريات الديمقراطية أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن العلاقة بين فئة الحكام والمحكومين من أفراد الشعب عبارة عن عقد أوكل فيه الشعب إلى الحاكم أن يتولى أمر السلطة، والأفراد فى هذا العقد منحوا الحاكم ثقتهم ولكنهم لم يتخلوا عن سيادتهم، فهم لم يتنازلوا إلا عن جزء فقط من حقوقهم وحرياتهم بالقدر الذى يلزم لإقامة شكل الجماعة السياسى وإقامة السلطة العامة فيها، لقاء أن يتحمل الحاكم بالتزامات أهمها رعاية مصالح الأفراد داخل المجتمع وتحقيق العدل، وهو ما يُلزم الأفراد فى المقابل بالطاعة له والانصياع لأوامره، فإذا لم يلتزم، جاز للأفراد داخل المجتمع أن يقوموا بعزله ويبرموا عقدًا آخرمع أحد غيره من أفراد المجتمع ليتولى أمر السيادة فى إطار من الحماية التى تسبغها عليه الإرادة الشعبية.
وأضافت المحكمة فى حيثياتها "الشعب هو صاحب السيادة الأصيل، وهو الذى يملك دون غيره اختيار من يتولى أمر السيادة ومن يمثله فى ممارسة أعمال تلك السيادة؛ وطرق استرداد الشعب للسيادة لا يمكن حصرها، إلا أن الثورة الشعبية تقف على قمتها جميعًا".
ويمكن تعريف الثورة من الوجهة السياسية بأنها حركة شعبية واسعة تهدف إلي تغيير النظام السياسى القائم جذريًا وإقامة نظام جديد يعبر عن جموع أفراد الشعب أو أغلب أفراده، أو على الأقل معظم طوائفه التى ترى أن النظام القائم لم يعد يصلح للبقاء، وأنه يتعين إحلال قيادات سياسية جديدة تعبر عن الإرادة الشعبية وتحقق آمال وطموحات الشعب.
والثورة بمعناها المتقدم تختلف عن الانقلاب اختلافًا جذريًا، ذلك أن الانقلاب مجرد حركة محددة من فرد أو أفراد لا تستند إلى قوة الشعب بل إلى قوتها الذاتية، وهو يهدف إلى مجرد الإطاحة بالنظام القائم والاستيلاء على السلطة فى المقام الأول، قبل استهداف تغيير الواقع الاجتماعى أو السياسى الذى يطمح إليه أبناء الشعب، وهو يحدث فجأة دون مقدمات أو إرهاصات تنذر بوقوعه، بعكس الثورة التى تسبقها نُذر وشواهد ومقدمات تؤكد قرب وقوعها، وإذا ما استرد الشعب سيادته فإنه يعمد إلى إسناد السيادة إلى فئة تعبر عن آماله وطموحاته وأهدافه، وتمارس هذه الفئة السيادة باعتبارها ممثلة للإرادة الشعبية بغض النظر عن أن قلة منهم قد لا ترضى عن إسناد السيادة إليها.
وحتى تضمن السلطة الجديدة ممارسة الحقوق والحريات فإنه يجب أن تُمعن النظر فى الدستور القائم قبل استرداد الشعب لسيادته، فإذا تبين أن الدستور السارى قد ضم نصوصًا تتضمن تبنى الدولة لنهج سياسى أو أيدلوجيه مرفوضة شعبيًا، أو خلا من النصوص التى تدعم ممارسة الشعب لحقوقه وحرياته السياسية علي الوجه المأمول لدى أغلب أفراد الشعب، فإنه يحق للسلطة الجديدة تعطيل العمل بالدستور القائم أو القوانين السارية وتضع سياجاً من الحماية القانونية تحول بين السلطة والتعدى علي الحقوق والحريات السياسية من جهة وبين الأفراد وتجاوز الحق فى ممارستهم للحقوق والحريات من جهة أخرى.
متى كان ما تقدم وكان الشعب المصرى قد انتخب محمد محمد مرسى عيسى العياط (المتهم الأول) لتولى منصب رئيس الجمهورية وتسلم الحكم فى30/6/2012، إلا أنه لم تلبث الاحتجاجات الشعبية أن تصاعدت وتحولت إلى ثورة شعبية فى30/6/2013، بعد أن رفض الاستجابة إلى مطالب الشعب أو الاحتكام إلى استفتاء عام على استمراره فى الحكم، وقد انحازت القوات المسلحة إلى الشعب ونفذت إرادته بعزل رئيس الجمهورية، واتفقت بعض الرموز الوطنية والسياسية والدينية على خارطة طريق للخروج من الأزمة اشتملت فى شق منها على تعطيل العمل بالدستور الصادر سنة 2012 بشكل مؤقت، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ومن المقرر فى القواعد الدستورية أن المراحل الانتقالية عقب الثورات لا تحكمها قواعد الشرعية الدستورية التى تحكم سلطات الدولة فى الأوضاع العاديه، ذلك أن سلطة رئيس الدولة فى ظل الشرعية الدستورية فى الأوضاع العادية ترجع إلى اختيار الشعب، وفقًا لأحكام الدستور، بينما من يتولى إدارة الدولة فى المرحلة الانتقالية تُرَّد إلى أساس مختلف هو مبدأ دوام الدولة واستمرارها، والذى يحفظ وجود وبقاء الدولة ويكفل استمرار السلطات العامة فى الفترات الانتقالية وفى كل ظروف طارئة أو استثنائية.
وإذ كان ما تقدم وقد انتهينا إلى أن ما قام به الشعب فى30/6/2013 هو ثورة حقيقية وليس انقلابًا، طالب الشعب فيها باسترداد سيادته وعزل الرئيس من منصبه، وإذ قام الجيش بتنفيذ إرادة الشعب بعزل المتهم الأول وإبعاده عن الحكم، فإن ذلك لا يكون اختطافًا أو انقلابًا، ويضحى ما أثاره المتهم فى هذا الشأن هو قولٌ مُرسَل لا يسانده دليل مادى أو نص قانونى، ومن ثم يكون التحقيق معه بمعرفة النيابة العامة باعتباره مواطنًا عاديًا، حتى وإن كانت عن جرائم ارتكبها إبان توليه ذلك المنصب قد جاء متفقاً مع صحيح القانون، ومن ثم يكون القضاء العادى هو المختص بمحاكمته عما نُسب إليه من جرائم، ويضحى الدفع المبدى منه بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى على غير سند من الواقع أو القانون حريًا بالرفض .
موضوعات متعلقة..
المحكمة فى "التخابر مع قطر" عن طلب سماع شهادة "عدلى منصور": لم يقصد به إلا المماطلة فى الدعوى.. وتؤكد: الرئيس السابق تولى رئاسة البلاد بعد خروج الوثائق والمستندات من قصر الاتحادية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة