يعرف الجميع أسطورة الفن المصرى أحمد زكى وزعيمه عادل إمام، والنجمان قدما على مدار تاريخ طويل ما يستحقا عليه الألقاب التى أطلقت عليهما، فقد أمتعا المصريين بأعمال ستظل خالدة ورسائلها واضحة، لكن ماذا فعل محمد رمضان حتى يصبح أيقونة الشباب وقدوتهم ويسيطر على صور البروفايلز على فيس بوك؟
ما فعله رمضان فى مسلسله الأخير أنه أحيا من جديد شخصية البلطجى والمجرم التى أصبحت حلمًا لكثير من شباب هذا الجيل بعدما غابت دولة القانون لسنوات وأصبح المبدأ "هات حقك بدراعك"، وبعدما تحول المجتمع إلى دولة يحكمها الخارجون عن القانون وتجار المخدرات والسلاح، ولم يعد للمواطن الملتزم المسالم البسيط أى حق سوى أن يكفى عشاءه نوم ويمشى جنب الحيط، ويتقى شر الكبار والبلطجية.
فى زمن تجرأ فيه أصحاب السوابق على دخول أقسام الشرطة بينما يخشى المواطن الملتزم حتى من الاقتراب من باب القسم لابد أن يكون النموذج والقدوة هو شخصية محمد رمضان فى مسلسله الأخير ويستحق أن يطلق عليه لقب الأسطورة.
فى زمن أصبحت وصية الأب لأبنائه كل صباح قبل التوجه إلى المدرسة "اللى يضربك اضربه" لابد أن ينظر الأطفال أيضًا إلى صورة الفتوة اللى بيعرف يضرب.
هذا هو الحال الذى فرض علينا شخصية محمد رمضان، فالذنب ليس ذنبه، وإنما ذنب المجتمع الذى وصل به الحال إلى التمرد على كل محاولات إعادة دولة القانون ورفض كل ما يمكن أن يفرض على المواطنين الالتزام، والبعض يرفض طمعًا فى استمرار الفوضى التى لا يجيد العيش إلا فى حماها، والبعض الآخر أصبح يائسًا من أن القوانين يمكن أن تطبق على الكبار والمسنودين وقناعته الثابتة أن أى قانون سيصدر لن يطبق إلا عليه وحده لأنه بلا ظهر ولا قوة تحميه.
الذنب ذنب المجتمع الذى قبل أن يغير أخلاقه ويتخلى عن الاحترام ويستسلم لمنطق القوة والإسفاف ويفتح الباب لأمثال السبكى كى يقدم لنا كل ما هو هابط وفج خارج عن حدود الأدب المجتمعى والقيم والأخلاق بدعوى أنه إبداع.
الذنب ليس ذنب رمضان وإنما ذنب أجهزة الدولة التى لم تستطع حتى الآن أن تقنع المواطنين بأنها قادرة على إخضاع الجميع للقانون وأن من يتجاوز لن يجد من يحميه وأن الفتونة والبلطجة وتجارة السلاح والمخدرات سوف تواجه بكل حسم.
أعلم أن هناك إرادة سياسية واضحة لدى الرئيس لعودة دولة القانون، وأنه لا مكان لمجرم خارج السجون، وأن كل مواطن لابد أن يحصل على حقه بالقانون، لكن على مستوى السلطات التنفيذية من وزارات ومؤسسات تتولى تطبيق القانون على أرض الواقع تفقد الرسالة معناها وتشوه الإرادة السياسية بسبب المحسوبيات والمجاملات الموجودة فى بعض تلك المؤسسات، فنرى ونسمع عن تجار مخدرات يفعلون ما يشاءون لأنهم على علاقة بشخصيات مؤثرة أو بضباط فى المباحث أو متعاونون، ونرى أصحاب الأموال يتلاعبون بالقانون، ويحصلون على ما يريدون بـ"لوى ذراع القانون"، ولا يجدوا من يردعهم، والنتيجة أن المواطن لم يجد من يقنعه بأن يتحمل فى سبيل عودة دولة القانون التى يكون الجميع فيها متساوون.
إذا أردنا إنهاء زمن الأسطورة، أيًا كان من يجسده فلابد أن نتفق ونسعى وندعم جميعًا جهود عودة دولة القانون، وأن نرفض الاستسلام لأى تجاوز وأن نقف ضد كل خروج عن حدود الدولة وقيمها حتى ولو كان الثمن غاليًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة