استغل شهر رمضان المبارك فى إظهار جوانب الرحمة مع كل من حولك
شهر رمضان هو شهر الرحمة.. هكذا وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة وغُلّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين».. والرحمة فى أبسط معانيها، أن تملك قلبًا رقيقًا، عطوفًا، ودودًا، محبًا للآخرين، فمن الرحمة اشتقت كل معانى الخير، ومن الرحم جاءت الرحمة، الراحمون يرحمهم الراحمون، والله هو الرحمن الرحيم، وما كان رسولنا العظيم لينجح فى إيصال رسالته رغم ما لاقاه من تعنت وصدود إلا لكونه يملك قلبًا رحيمًا، فقال عنه الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..»، ومن أجل الرحمة بالعالمين أرسله الله إليهم «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ». «إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ».. خلقهم ليرحمهم.. هذا هو حل اللغز المحير.. يقول النبى صلى الله عليه وسلم «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل فى الأرض جزءا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».. الرحمة يمنينا بها الله فى كل صلاة، عند قراءة القرآن، فى كل قراءة للفاتحة، فى كل لحظة فى كل سكنة.. طوال اليوم أنت تستمطر رحمة الله.. وإذا ما أردت أن تغمرك رحمة الله.. عش بالرحمة.. ولن تجد أحدًا أكثر استحقاقًا للرحمة والشفقة أكثر من الأهل.. أمك.. أبيك.. زوجتك.. أولادك.. والشفقة هى حب مغلف بخوف على من تحب.. حب + خوف عليه = شفقة.. وهى لا تكون فقط عندما يقع من نحب فى مشكلة أو أزمة ما، بل هى خلق دائم مستقر فى النفس. وقد جسدت سورة «الطور» هذه الشفقة وأثرها فى رحمة الله بالجنة.. عرضت كل أنواع النعيم فى الجنة.. وفى نهاية وصف الجنة بعدما دخلوها.. «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ».. ما الذى أدخلنا الجنة؟.. «قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ».. الشفقة بالأهل طريقك إلى الجنة.
عن عبدالرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «قال الله: أنا الرحمن، وهى الرحم، شققت لها اسما من اسمى، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته». كان صلى الله عليه وسلم رحيمًا بالأطفال الصغار.. فكان يُقعد أسامة على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول: «اللهم ارحمهما فإنى أرحمهما».. دخل الأقرع بن حابس التميمى فرأى النبى يقبل الحسن أو الحسين، فقال له: «أو تقبلون أولادكم، إن لى عشرة من الولد، ما قبلت أحدا منهم قط»، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك». بلغت رحمة النبى حد أنه كان يدعو للمشركين رغم ما كان يناله من أذى.. فعندما أصيب فى غزوة «أحد»، قال له الصحابة ادع على المشركين فقال: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون»، إنه الرحمة المهداة.
قبل أكثر من مائة عام، كان هناك قصة شهيرة للشيخ الفضالى، وهو رأس التيار الأزهرى المستنير مع «الحمّارين»، كانت مشكلة عصره الجهل الشديد بالدين وبالعلوم، فأدرك المشكلة وبدأ يحلها. كان الشيخ يسكن فى «حى المنيل»، ويستخدم الحمار للوصول إلى الأزهر يوميًا قبل أن تخترع السيارات، وكان الشيخ عندما يركب مع الحمّار يسأله: ما معنى كلمة «فقه»؟ فيرد الرجل: لا أعرف، فيقول له الشيخ: «هيا بنا نعرف الوضوء، وانتظر هنا حتى أعود معك». وفى اليوم الثانى يسأل الشيخ الرجل عن جدول الضرب، حتى إنه وضع جدولًا للحمارين، يركب كل يومين مع نفس الحمّار، حتى يدور الفقه والحساب على كل الحمارين، بدلًا من أن ينام هو أو يسرح فى الطريق استطاع أن يحل مشكلة الحمارين.. فمات الشيخ الفضالى وقد أصبح الحمارون يتكلمون فى الفقه والحساب مثل الأزهريين، وما قام به ليس عملًا دينيًّا فقط، هذه هى الرحمة المتحركة.
درب نفسك على الرحمة تكن رحيمًا.. تولى أمر إنسان ضعيف أو يتيم ماديًا أو معنويًا.. فعن أبى هريرة قال، إن رجلًا جاءه يشكو قسوة قلبه فقال له: «أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك. يلن قلبك، وتدرك حاجتك». بالغ فى إرضاء أبويك.. صل رحمك بزيارة أقاربك.. عامل البسطاء والمساكين بود ولطف.. اخرج صدقة أسبوعية ولو شيئًا بسيطا.. اخرج من طعامك وملابسك بشكل دائم للمحتاجين.. ادع الله دائمًا أن يرحمك، وأن يملأ قلبك رحمة.. يرزقك الله الرحمة، استغل شهر رمضان.. شهر الرحمة فى إظهار جوانب الرحمة مع كل من حولك.. مع أقاربك.. مع جيرانك.. مع كل الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة