(1) اختفاء صحافة الشمال : منذ سنوات قليلة كانت هناك مؤسسات الشمال الغنية، الأهرام والأخبار والجمهورية، ومؤسسات الشمال الفقيرة دار الهلال ودار المعارف ودار التعاون ودار الشعب قبل تصفيتهما، وكانت روزاليوسف فى المنطقة الوسطى، أما الآن فقد تلاشت الفوارق وأصبحت كل الصحافة القومية جنوب، وتمد يدها فى آخر الشهر لتحصل على الدعم من وزارة المالية، ورقم الدعم السنوى مفزع جدا، ويقترب من ميزانية مجلس النواب، التى واجهت انتقادات عنيفة من الصحافة نفسها، رغم أنها تحصل على دعم مماثل.
(2) مأزق الإخوان والناصريين: بعد 25 يناير زادت المشكلات تعقيدا، وتولى ملفات الصحافة أشخاص لا علم لهم بشؤونها، وسادت حالة من الفوضى والارتباك، خصوصا فى فترة يحيى الجمل وعصام شرف، والجمل بالذات بهرته أضواء الصحافة، فكان يعين رؤساء مجالس الإدارة والتحرير فى الفضائيات المسائية، ثم يتراجع فى البرامج الصباحية، بعد أن يقول له المجلس العسكرى “اهدى شوية“، وعندما جاء الإخوان نصبوا أتباعهم أولياء على الصحافة القومية، ولما أُطيح بهم احتل الناصريون العرش، ولم يختلفوا كثيرا عن الإخوان فى السيطرة والاستحواذ.
(3) سرطان الديون يهدد البقاء: خلال تلك السنوات العجاف كان الصراع على القمة، واحتلال المناصب والهيمنة والإزاحة، وسيطرت التوجهات السياسية على الاعتبارات المهنية، وأُهملت تماما المشاكل المزمنة المتراكمة منذ عشرات السنين، واعتمدت كل المؤسسات دون استثناء على الدعم الحكومى الباهظ، فى الأجور والمرتبات حتى الحوافز والأرباح، فى الوقت الذى انهارت فيه الإيرادات المتمثلة فى التوزيع والإعلانات والأنشطة الاستثمارية، وقفزت الديون وفوائدها إلى أرقام فلكية، سواء الديون السيادية المستحقة للدولة مثل التأمينات والمعاشات والضرائب، أو الديون الخاصة المستحقة للبنوك التجارية.
الدولة لا تستطيع إعفاء المؤسسات القومية من الديون الحكومية إلا بقانون، ولو أصدرت قانونا يخص الصحافة فقط يكون غير دستورى، لانعدام قاعدة المساواة مع الأوضاع المماثلة فى جهات أخرى، والبنوك لا تستطيع إسقاط الديون أو حتى الإعفاء من الفوائد، ومن مصلحتها أن تظل أرقام المديونية فى ميزانياتها كبيرة ومرتفعة، وتتعقد المشكلة عاما بعد عاما، لأن عجلة الفوائد الطائشة سريعة الدوران، والغريب أن المؤسسة التى كانت مدينة للتأمينات بعشرة ملايين منذ عشر سنوات، أصبح رقم الدين الآن سبعين مليونا، نتيجة تراكم الفوائد.
(4) الأنظمة السابقة عرقلت الحلول: وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فلم تكن الدولة قبل 25 يناير متحمسة ولا راغبة فى مواجهة مشاكل الصحافة القومية، وتركتها تستفحل وتتعقد، وشُكلت عشرات اللجان منذ عهد رؤساء مجالس الشورى، صبحى عبد الحكيم وعلى لطفى وصفوت الشريف، وقتلت المشاكل بحثا وقُدمت عشرات الاقتراحات والحلول، لم ير أيا منها النور، وأتمنى أن يتسلح المجلس الأعلى للصحافة بنتائج هذه الدراسات، ولا يكون كمن يعيد اكتشاف العجلة، لأن المشاكل قديمة ومتوارثة وبعضها يمتد منذ ظهور تلك المؤسسات، ولكن كانت الأحوال الاقتصادية قبل 25 يناير أكثر انتعاشا واستقرارا، وتدهورت الأوضاع مثل سائر الأنشطة الأخرى.
(5) العودة إلى أحضان الدولة: ليس من الحكمة أن يُترك المريض يعانى حتى يموت، والعلاج صار ضروريا حتى لو كان مكلفا ومؤلما، والمهم هو التشخيص السليم ووضع اليد على بيت الداء، حفاظا على كيانات اقتصادية وإعلامية وضخمة، لعبت دورا مهما فى الدفاع عن القضايا القومية، وكانت المدافع الاستراتيجى عن الدولة وسياساتها وتوجهاتها، ولكن أرهقت كاهلها المشاكل، وتاه منها التوجه القومى الذى كانت تتبناه لصالح المجتمع، وأصبحت فى أمس الحاجة إلى إصلاحات جذرية فى هياكلها المالية والإدارية، والعودة إلى أحضان الدولة وليس حكومة ولا نظام، والأهم أن تكون قادرة على البقاء والاستمرار والمنافسة، دون أن تمد يدها لأحد.. المشاكل لن تنفرج فى عام أو عامين، وإنما تحتاج وقتا قد يطول، والموضوع يطول شرحه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة