خشية المرض
إذا لم يكن الشخص مريضا ولا مسافرا، ولم تكن المرأة حاملا أو مرضعا، فقد يرخص للواحد من هؤلاء بالفطر إذا كان يخشى المرض، أو التضرر البالغ بالصوم، وذلك كأصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يجدون مصدرا للرزق فى غير عملهم هذا، ولا يمكنهم الاستغناء عن العمل فى شهر رمضان، كعمال المناجم، ومصانع صهر الحديد والصلب ونحوهم ممن يعملون فى الأماكن التى تبلغ الحرارة فيها مبلغا يجعل من الصوم أشبه بالمستحيل، فهؤلاء يعدون ممن قال عنهم الله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ..»، وكذلك هم بمنزلة المريض الذى يخشى زيادة المرض بالصوم.
قال ابن قدامة: «والصحيح الذى يخشى المرض بالصيام، كالمريض الذى يخاف زيادته فى إباحة الفطر، فإن كان يستطيع الاستغناء عن هذا العمل فى شهر رمضان من غير أن يتضرر ضررا بالغًا، كأن يجعل إجازته من عمله فى شهر رمضان، أو يجدا عملا آخر يمكنه معه الصوم، أو لا يحتاج لعائد عمله هذا فى نفقته الضرورية، ولم يكن الناس أيضا فى حاجة ماسة لعمله هذا، لم يجز له الفطر.
الإكراه
من الأعذار المرخصة فى الإفطار الإكراه على الإفطار من قبل القادر عليه، وهو ما يعرف بالإكراه الحقيقى، ويشترط لاعتبار الإكراه حقيقيا يرخص لصاحبه فى الإطار ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون من قبل قادر على أن يوقع بالمكرَه على الإفطار الأذى الذى يتوعده به.
الثانى: أن يكون ما يهدد به المكره من الأذى لا قدرة للمكرَه على تحمله، أو يقوى، ولكن بكثير ضرر كقطع عضو من أعضائه ونحوه، فإن كان بأمر يسير فلا يعد إكراها.
الثالث: ألا يتمكن المكرَه من التخلص مما هدده به المكرِه، فإن تمكن من ذلك بالحيلة، أو بالدفاع عن نفسه، لم يكن مكرها، فإن فُقد شرط من هذه الشروط لا يعد الإكراه إكراها حقيقيا مسقطا للمؤاخذة عن الفاعل لما أقدم عليه، بل يكون مختارا يلزمه ما يلزمه من قضاء رمضان وغيره.
وإنما رخص للمكره فى الإفطار لقوله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، ولأن الإكراه ينفى الاختيار فيكون صاحبه فى حكم المضطر، ومن المعلوم أن المضطر يرخص له فى فعل بعض المحظورات على غيره، ومن القواعد الفقهية المعروفة «الضرورات تبيح المحظورات» وكذلك فإن الإكراه مشقة بالغة، ومن قواعد الشرع أيضا «المشقة تجلب التيسير»، ومما هو معلوم أيضا أن الإكراه رخص فيما هو أكبر من إفساد الصيام فقد رخص لصاحبه فى التلفظ بكلمة الكفر دون اعتقادها لقوله تعالى «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة