قد تقوم بأداء عمل لإنسان ما ثم تفاجأ بضيق ذات يده بحيث لا يستطيع أن يوفيك أجرك وهنا يكون امامك أحد أمرين: الأول ان تصبر عليه حتى يدبر حاله ويسدد أجر ما عملت له أو ان تعفيه وتحتسب الأجر على الله ولا شك أن ما عند الله خيرٌ وأبقى: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الشورى:36]. وما يقدمه العبد لنفسه من الصالحات يجده عند الله تعالى كاملاً مضاعفًا: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)[المزمل:20].
وقد يسيئ اليك انسان وأيضا فقد خيرك الشرع الحكيم بين ان تسيئ اليه بمثل ما أساء اليك أو أن تعفو وتصفح وتحتسب الأجر على الله، قال تعالى {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (40) سورة الشورى، وجاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " فما المقصود بالاحتساب لغة وشرعا ؟؟
جاء فى المعجم الوجيز: احتسب الأجر على الله أى ادخره، واحتسب بفعل كذا أجراً عند الله أى فعله مدخراً أجره عند الله.
ومن أنواع الاحتساب: أن يحتسب العبد الأجر من الله عند عمل الطاعات مبتغياً وجهه الكريم دافعاً عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلب المدح من الناس إلى غير ذلك مما يحبط الاعمال وينقص من الأجر ليفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل، كما دل عليه قول النبى صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقد روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلَّى عليها، ويُفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد". بل إن العبد المسلم يؤجر على نفقته على أهله وهى واجبة عليه كأجر الصدقة إن هو احتسبها كما ورد فى الحديث: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة". فانظر كيف عظم الاسلام الأجر بسبب الاحتساب فى الطاعات؟!
ومن أنواع الاحتساب أيضاً: طلب الأجر من الله عند الصبر على البلايا والمكاره ؛ وقد مدح الله هذا الصنف من المؤمنين ووعدهم بالرحمة والهداية والأجر الكبير، قال تعالى: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:156، 157].
إن الناس فى هذه الحياة يتعرضون لأنواع متعددة من البلايا والأمور التى تكرهها نفوسهم لا فرق فى ذلك بين مؤمن وكافر، إلا من جهة احتساب الأجر بالنسبة للمؤمنين.
فالمسلم يمرض وكذا الكافر، ويموت أحباؤه وأقرباؤه، وكذا الكافر؛ لكن هناك فرقًا مهمًا بينهما؛ ألا وهو ما يرجوه المؤمن من الأجر إن هو صبر واحتسب ورضي، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا فِى ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)[النساء:104]. وانظر إلى جزاء المحتسبين فى المصائب والشدائد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب، وقال ما أُمر به، بثواب دون الجنة". واستمع إلى أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها وهى تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرنى فى مصيبتى واخلُف لى خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أى المسلمين خيرٌ من أبى سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنى قلتها – أى إنا لله وإنا اليه راجعون _ فأخلف الله لى رسول الله صلى الله عليه وسلم..." الحديث. وقد كان السلف يراجعون أنفسهم ويستحضرون النوايا الصالحة ويتواصون بالاحتساب طلبًا للأجر والثواب.
فهذا هو الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: "أيها الناس! احتسبوا أعمالكم؛ فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته".
كما استهان خبيبٌ بن عدى رضى الله عنه بالموت عندما أراد بنو الحارث بن عامر أن يقتلوه واحتسب ذلك عند الله، فقال:
ولستُ أبُالى حين أُقتلُ مسلمًا.......على أى جنبٍ كان فى الله مصرعي
وذلك فى ذات الإله وإن يشأ.......يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع
فاحتسب أيها المسلم فى طاعاتك وعباداتك وجميع معاملاتك، واحتسب فى البلايا والشدائد وما لا دخل لك فيه، يثبت الله قلبك ويعلى ذكرك ويضاعف أجرك.
صلاه التراويح
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة