دائما القانون غائبا، فى مواجهة كل قضايانا فقد ضاعت معايير الحيادية والموضوعية غاب القانون والعدل من ميزان التقييم، لنجد أنفسنا أمام تجسيد للواقع الهزلى والعبثى الذى نعيشه ويرسم ويشكل ويخطط ملامحه معايير الولاء المطلق لبوتقة التشدد الدينى دون أى تفكير بمنطقية وعقل وتروٍ لمبدأ المواطنة الذى كفله الدستور والقانون لكل أبناء هذا الوطن، فلا يمكن أن تنهض دولة أمام هذا التعصب الأعمى وأبنائه فى فرقة وتناحر.
يحكمنا فقط الانتماء لفريق معين أو دين بذاته دون النظر إلى مبدأ المواطنة لكل فرد فى هذا الوطن الذى تحكمه مظلة الدستور والقانون لكافة المواطنين.
فبقراءة موضوعية ومتأنية ومحايدة لأحداث قرية الكرم بمحافظة المنيا التى شهدتها البلاد فهى ليست الأولى والأخيرة الذى يشهدها الوطن فسوف تظل دائماً تطل علينا كل فترة أحداث متشابهة مادام لا يوجد تطبيق حقيقى وفعلى ونفاذ للقانون وليس مجرد أقوال وردود أفعال لرجال السياسة والأحزاب والمحللين التى نشاهدها على الفضائيات وتنقلها وكالات الأنباء وتحتل مساحات وعناوين رئيسية لكل الصحف ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، ولا يمكنا القول غير أنها فوضى تصريحات لا أكثر أو أقل.
فنحن كدولة ومجتمع لدينا مشكلة كبرى فى قبول الطرف الآخر ولنا فى أحداث قرية الكرم تجسيد حقيقى لتلك المشكلة، فالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين أمر يتعلق بأن المجتمع والدولة ومفهوم ومبدأ المواطنة المكفول بالدستور والقانون فى كل مراحله التشريعية والمدونة بوثيقة الأزهر الشريف من أنها دولة مدنية حديثة تستوعب كل الأطياف والأديان، فالجميع سواسية أمام القانون فى كل الحقوق والواجبات، فيجب أن يتفهم ويعى المواطن نفسه هذا الحق، ويتعامل معه على هذا الأساس وليس مجرد أقوال ومواد قانونية يتضمنها القانون دون تطبيق فعلى وعملى فى الواقع العملى.
فقد أحسن القول والفعل الرئيس عبدالفتاح السيسى حين حدد تعامله مع هذه الواقعة من أن القانون سيتم تطبيقه على الكل دون تمييز على أساس عرقى أو دينى أو سياسى، فالكل متساو فى جميع الحقوق أمام القانون دون تفرقة.
فلا أحد فوق القانون، فنهضة مصر تقوم بالمساواة وتطبيق القانون فيصير سيفاً على الكل فيجب إيقاظ القانون النائم كى يحرر أيدى العدالة فى إنفاذه وينمو بين الناس بالعدل، فتفشى الظلم والقهر وعدم المساواة لا نرث منه إلا اليأس فى الإصلاح والنهضة لدولة ديمقراطية تنهض بمؤسسات الدولة.
فإسقاط القانون وانتهاكه يعنى تحول الوطن إلى غابة يفتك الأغلبية بالأقلية ويعتريها الإذلال والهوان، فالقانون يموت كل يوم مع مرور الوقت وفى كل حدث لا يطبق فيه وتسقط معه المعاير الأخلاقية والقيم والمبادئ والمساواة فبموت القانون تنهار الدولة وتموت الفضيلة والحق والعدل وهو أساس الملك، وقوام النهضة والانطلاق وترسيخ حقيقى لمبدأ المواطنة الذى نصت عليه المادة الأولى من دستور مصر 2014 على أنه «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شىء منها، نظامها جمهورى ديمقراطى، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون».
سيدى الرئيس فقد سبق أن وعدت ونفذت وعدك ويشهد لك المصريين بمشروعاتك القومية التى تفتتحها كل يوم على مرأى وبصر وسمع المصريين والعالم، فنحن ننتظر منكم حراكاً ونفاذاً سريعاً لتطبيق القانون وليس تدخلاً فى العدالة، لا سمح الله، ولكن المراقبة وباستشعار عن بعد وإصدار توجيهاتك السريعة فى سرعة إصدار موسوعة تشريعية حديثة فى جميع المناحى هرباً من تلك التشريعات العقيمة والمتردية المطبقة فى البلاد بقوانين تعيش فى ظلمة القرن الماضى وعفى عليها الزمان.
فنحن سيدى الرئيس فى حاجة إلى سرعة إصدار قوانين فى كل مناحى حياتنا وقضايانا تتواكب وتتناسب مع روح هذا العصر المتسارع الإيقاع بشكل لا يصدقه عقل، ولن أسرد لسيادتكم كم عدد سنوات التقاضى حتى يصل صاحب الحق إليه وهو على قيد الحياة، فنحن نضرب الأرقام القياسية فى طول المحاكمات، فنحن فى حاجة ماسة إلى حراك لإنقاذ القانون، فلن نجده مهما طال البحث عنه ومهما طال انتظاره، فلا أمان ولا استقرار ولا نهضة مادام القانون نائماً، كفانا عقد مصالحات بين شيوخ يمثلون الدولة وبين قساوسة مضطرين للصلح تحت إكراه المجتمع العقائدى والدولة.
والغريب فى الأمر أن يحدث هذا الحدث حال لقاء شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان تحت سقف واحد ويبثون للعالم رسائل سلام ومحبة للبشر كلهم، تصديقا لما أنزل بالديانات السماوية، وتجديدا لدعوة خطاب الحوار بين الحضارات والثقافات المخالف والمضاد للأفكار المتطرفة معتنقى ثقافة داعش وأخواتها، سعياً لفناء الأوطان وتهجير الشعوب وتدمير الإنسانية. فتعرية سيدة مسنة فى صعيد مصر هو فى الحقيقة تعرية الوطن فى الصعيد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة