تستورد مصر غالبية السلع، لكننا لا ننتج سوى سلعة واحدة، هذه السلعة هى «الكراهية»، فلدينا عجز كبير فى كل شىء، ولدينا فائض فى شىء واحد، هذا الشىء هو «الكراهية»، فنحن نزرع الكراهية ونسقيها، نحرسها وندعمها، نكرم رجالها ونقدس نساءها، نحرص على أن تتوالد دون تحديد للنسل أو تنظيم للأسرة، نترك لها الحبل على الغارب، ونزيد منه ونقويه، نغذيها بكل ما أوتينا من أحقاد، نسمح لها بالتفشى بكل ما أوتينا من عماء روحى، نرعاها رعاية الأم لوليدها، ونسهر على راحتها كصقر يذود عن بيته.
نرفع شعار الكراهية للجميع، والمساوة فى الكره عدل، نوزع الأحقاد على البطاقات الشخصية والبطاقات البريدية والبطاقات التمونية إن لزم الأمر، والأخطر من كل خطير هو أننا أصبحنا نمارس القتل الجماعى بكل ما أوتينا من همة، لا نفرق بين رجل وامرأة، أو طفل أو راشد، نبالغ فى رد الفعل، دون اشتراط أن يكون الفعل موجها إلينا، نتطوع بالقتل فى كل مكان، حتى سارت ساحات الفضاء الإلكترونى بركة دماء، نشن الهجمة بعد الهجمة، غير عابئين بآثار هجماتنا على الأنفس، ولا خطورتها على المستقبل.
انظر إلى ما تم تداوله منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعى من صور لبعض الأطفال الذين اشتركوا فى بطولة القاهرة لكمال الأجسام لترى كيف نقتل المستقبل بتهكم أعمى وسخرية مسمومة، أطفال يمارسون رياضة يحبونها، لم يقتلوا، لم يسرقوا، لم يتعاطوا مخدرات، لم يتسولوا فى الشوارع، لم يفتروا على أحد ولم يتجنوا على أحد، أجسادهم الفتية مازالت فى مرحلة التجهيز، لكن على ما يبدو أن كل هذا لم يشفع لهم عند طائفة مصاصى الدماء المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، فانهالوا عليه سخرية وهجوما وقتلا معنويا وأدبيا، وكأن كل واحد من هؤلاء الساخرين هو الشحات مبروك أو العماوى.
منهم من تحسر على المستقبل، ومنهم من تهكم على رقة حالهم، ومنهم من سخر من ملابسهم، ومنهم من سخر من نحافة أجسادهم، ومنهم من سخر من اللمعان على أجسادهم، قائلا إنهم دهنوا أجسادهم بـ «زيت تموين» ليقتلوا بتلك السخرية الفجة الوقحة أحلام الأطفال فى أن يصحبوا رياضيين، ولم يقل أحد منهم إنهم ليسوا أكثر من «نباتات» فى طور التكوين، وإنه من الظلم أن نقارن بين أجساد الأطفال وأجساد المحترفين، فلا هدف لديهم سوى القتل والقتل والقتل، ثم التمثيل بجثث المقتولين.
هكذا ننتحر، هكذا نفنى، هكذا نحكم على المستقبل الموات، وهكذا نربى الكراهية فى عروقنا ونوزعها على الماء والهواء والتراب والسماء، ولا عجب بعد هذا أن تشيع الكراهية فى كل مكان، ولا عجب أيضا أن يتساوى فى قلب الواحد الاجتهاد مع الخمول، ولا عجب أيضا من أن يتدهور الوطن إلى أدنى مراحله، بعد أن افتقدنا القيمة والقامة، وأصبحنا الوكلاء الوحيدين لقتل الأمل والحلم والمستقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسني عليوة
مقال رائع...
عدد الردود 0
بواسطة:
طاهر
رصد رائع ذكى لحالة حقيقية ... لكن و بعد ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
نبيل فارس سفير سابق
الأعلام و الصحافة و الصحفيين مسؤلين عن جزء كبير و مهم فى بث الكراهية و نشرها و زرعها