أكثر الشعارات الضالة التى يرددها البعض فى أزمة نقابة الصحفيين الحالية هو شعار «النقابة مخطوفة».
هو شعار أجوف، وليس وليد الأزمة الحالية، فقبل أن أتشرف بعضوية نقابتى المحترمة عام 1993 وأنا أسمعه، وأصحابه خليط يضم متربصين بالنقابة من خارجها ومن داخلها، ومن بعض الوجوه التى تخوض الانتخابات، ولا تحظى بثقة زملائهم من الصحفيين، وهؤلاء تحديدا بدلا من البحث فى أسباب فشلهم فى الانتخابات، يرفعون هذا الشعار اللعين، دون تفكير منهم فى أن العطاء النقابى له ضريبته وله أصوله، وله أشخاصه، وله برامجه، وله تكتلاته الانتخابية المشروعة، شأن أى انتخابات تجرى، ليس فى مصر وفقط، وإنما فى العالم كله، كما يذكره هؤلاء الذين يتأثرون بالحملات الشعواء ضد النقابة فى كل أزمة تواجهها مع السلطات، ويذكره بعض أنصار المرشح «الفلانى» فى حال فوز المرشح «العلانى»، سواء كان أحدهما ممن يتظلل بحماية مؤسسات الدولة، والآخر من المعارضة.
حالة واحدة فقط هى التى ينطبق عليها شعار «النقابة مخطوفة»، تلك التى يتم فيها وضع النقابة تحت الحراسة، ولم يحدث ذلك فى تاريخ نقابتنا والحمد لله، ففى عز وضع النقابات المهنية الأخرى وأشهرها «الأطباء» و«المهندسين» تحت الحراسة خلال حكم مبارك، أفلتت نقابة الصحفيين من هذا الأمر، لأنها كانت تدير انتخاباتها بنزاهة تتسع لكل التيارات السياسية، فنجد نقيبها ومجلسها فيه تصنيفات سياسية مختلفة، لكن لا يستطع أى تيار سياسى أن يأخذها إلى مساره السياسى.
كان كامل زهيرى نقيبا ناصريا، وقاوم مشروع السادات بتحويل النقابة إلى نادٍ، وكان إبراهيم نافع من أكبر رجال مبارك، وقاد معركة إسقاط قانون 93 لعام 1995، وكان جلال عارف ناصريا وقاد معركة إسقاط قانون حبس الصحفيين فى قضايا النشر، ورغم أنه كان معارضا شرسا لنظام مبارك، إلا أن مبارك أبلغه شخصيا فى افتتاح المؤتمر العام للصحفيين عام 2004 بإلغاء العقوبة وإحالة الأمر إلى مجلس الشعب، ودخل المشروع إلى البرلمان، وحاول طيور الظلام فى نظام مبارك عرقلة وعد الرئيس، فنظم الصحفيون وقفات احتجاجية قادها عارف بنفسه أمام البرلمان، واحتجبت بعض الصحف يوما.
فى كل هذه الأزمات كان هناك من يرفع شعار «النقابة مخطوفة»، وإذا تحدثت مع أحدهم، ستسمع العجب من قبيل: «أصل فلان من أعضاء المجلس قال فى اليوم الفلانى الكلمة الفلانية»، «أصل فلان ده يسارى وده يمينى وده ناصرى وده من نظام مبارك»، وإن قلت له: «هؤلاء منتخبون وذهب أعضاء الجمعية العمومية إلى صناديق الانتخابات وأعطوهم أصواتهم بكل حرية ونزاهة»، سينصرف عنك قائلا: «لا، لا، لا، هى النقابة مخطوفة».
خلاصة الأمر يا سادة أن كل جمعية عمومية تختار من يمثلها بحرية، وأذكر أنه فى آخر انتخابات خاضها نقيبنا الجليل كامل زهيرى فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى، وخسرها أمام مكرم محمد أحمد المرشح لأول مرة مدعوما من الدولة، أمسك الميكروفون وقال: «كل جمعية عمومية تختار من يعبر عنها»، كنت وقتها فى بداياتى الصحفية وأتردد على النقابة، وشاهدت هذه الانتخابات، ومن يومها أستحضر كلمة «زهيرى» الذى ألقاها وسط جمهوره، بعد أن قال بعضه: «النقابة اتخطفت»، أتذكره كلما سمعت نفس الشعار من أى أحد،
والخلاصة أننا فى نقابة لا يأتى فيها نقيب ولا عضو مجلس بالتعيين، وإنما يأتون بانتخابات ديمقراطية، وإذا كان فرز هذه الانتخابات لا يعجب البعض فيعتبرون أن الناجحين قاموا بعملية سطو وخطف، فالأجدى بهم وكما يقول المثل أن «يجيبوا من الآخر»، ويطالبون بألا يكون هناك انتخابات من الأصل.
كم من أسماء صحفية لامعة خاضت الانتخابات، لكن الحظ لم يحالفها، دون أن يحمل ذلك أى إساءة لها، فالكاتب الصحفى اللامع ليس شرطا أن يكون نقابيا ناجحا، والكثير من هذه الأسماء تتصدر الصف فى أى أزمة تواجه النقابة دون أن يرددوا شعار «النقابة مختطفة»، لأنهم يعرفون مقاصده السيئة والخبيثة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة