فى كثير من أرجاء العالم حين تُصاب أمة بحدث جلل ككارثة طبيعية أو مأساة كبرى تتمثل فى حادث أو مصيبة تدفع الشعوب لحزن جماعى، فيتم دون اتفاق مسبق أو مرتب أن تتجه جموع من الشعب المكلوم لتضع أكاليل من الزهور فى مكان الحادث أو فى موقع رمزى لأرواح وذكرى الذين لقوا حتفهم، كما حدث فى أحداث باريس مؤخراً وغيرها من أحداث مأساوية حصدت أرواحاً بلا ذنب أو جريرة سوى أن ذلك هو قدر الله، هذا ما تفعله شعوب أخرى، أما المصريون فلهم شأن آخر.
ليس هناك من بيت أو شخص فى مصر إلا وقلبه موجوع وعينه تدمع على ضحايا طائرة مصر للطيران، غالبية المصريين فى حداد حقيقى حتى وإن لم يعرفوا بشكل شخصى الضحايا أو تربطهم بهم رابطة، أما أهاليهم، فلهم الله، وتلك مشاعر إنسانية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بسياسة أو معارضة أو علاقات دولية أو حرب عالمية أو مؤامرة أو غيرها، فالحزن الإنسانى النبيل لا يعرف كل ما سبق أو غيره، ولكن السياسة فى مصر للأسف، أفسدت حتى إنسانية البعض، فوجدنا بيننا من يشمت فى موت أو يصفق لكارثة أو يفرح فى مصيبة.
وكما سبق وذكرت، فإن كانت الشعوب الأخرى تضع أكاليل الورد لذكرى الضحايا فإن للمصريين شأن وفعل آخر، لأنهم فى وضع مختلف، ولديهم دائماً لمسة خاصة فى حياتهم.
فبالأمس فى إحدى سلاسل المحلات الكبرى، بينما صديق لى يشترى بعض متطلبات بيته وجد رجلا يتحدث فى الهاتف أمامه بصوت عال، كعادة البعض، وهو يقول لمن يهاتفه «يلا يا عم صاحبك لبس طيارة ضايعة على الصبح وثلاثين جثة» واستكمل ضحكاته الخبيثة الشريرة، وبينما صديقى يقف غير مصدق لما يقوله الرجل من شماتة فى مصيبة مصر وكأن السيسى هو الذى يحمل المصيبة على رأسه، وليس كل بيت فيها، وبينما صديقى على هذا الحال يقف لا يدرى ماذا يفعل أو يقول، وجدت امرأة تتقدم من الرجل وتلسعه قفا محترما، كتلك الأقلام التى تكثر فى أفلام السبكى، وتقول للرجل، هذا قفا هدية لضحايا الطائرة، وكأن ذلك القفا كان أكليل الورد الذى وضعته السيدة المصرية لضحايا لا تعرفهم، ولكن قلبها موجوع عليهم، لأنها إنسانة، فقط إنسانة.
أما إكليل الزهور المصرى المختلف الخالص الثانى، فكان مكانه محل أسماك شهير فى القاهرة، اكتظ بالزبائن، وبينما التليفزيون الذى وضعه صاحبه أعلى مكتبه، يعرض تقارير ساعة بساعة عن مأساة طائرة مصر للطيران، وعمليات البحث الجارية، وبينما المشهد كذلك، والكل رغم عمليات البيع والشراء عيونهم معلقة بشاشة التليفزيون والوجوم يعلو الوجوه، دخل رجل ذو هيبة يأخذ وجبة السمك التى طلبها سابقاً.
ونظر الرجل إلى شاشة التليفزيون مبتسماً، وقال موجهاً حديثه لصاحب المحل «همه لسه بيدوروا على الجتت، ياعم يلا بالشفا!»
فإذا بصاحب المحل يوجه حديثه للعامل لديه الذى كان على وشك أن يسلم الرجل طلبه من الأسماك، ويقول له «خش ياواد معندناش سمك للبيع، العالم دى لو مسكت السمك حتزفره»، وحط الطير على رأس كل من بالمحل، وعيونهم تكاد تفتك بالرجل الذى خرج من المحل مسرعاً، دون كلمة. وكان ذلك هو إكليل آخر من الورد المصرى الخالص هدية لأرواح ضحايا الطائرة.
حين تُفقِد السياسة وصراعاتها البشر إنسانيتهم، فلعنة الله على السياسة، ولعنة الله على هؤلاء البشر أينما وُجدوا، ولتبقى أكاليل الزهور فقط، كيفما كانت، لتكلل هامات البشر وإنسانيتهم، أينما وُجدوا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل صادق
الاخوان بيشمتوا فى الموت كأنهم مخلدون حسبى الله ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
كنت اتمنى ان يكون نصف المصريين في تلك الطائرة
كانت هتبقى اول خطوة فالنظافة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
وجود العديد من الجنسيات على متن الطائرة المنكوبه يؤكد كفاءة و مهارة الطيران المصرى
بدون