ضجت الدنيا منذ بضع سنوات بحثا وملاحقة لعمر البشير للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ليتوقف كل ذلك، ولم تعد تذكر جرائمه، وكأنها لم تكن بعدما دخل حظيرة العم سام، ورضخ لتقسيم السودان، حسب الإرادة الأمريكية فوزا برقابتها، فالعم سام يجيد استثمار المواقف وخلق الأزمات إن اقتضى الأمر ذلك، فإن شهدت مصر تقاربا روسيا انفجرت الطائرة الروسية لتتشرذم العلاقات، وإن تلقت مصر إعجابا إيطاليا قتل ريجينى وروجت قضيته حتى تصبح قيد المزايدة الوطنية وتصل لحد استخدامها فى المتاجرة الانتخابية فى الداخل الإيطالى، فعندما تفرق السبوبة فى حقوق الإنسان بين ريجينى وعادل حبيب المقتول بلندن ومحمد محمود رشدى المكتشف جثته بأحد صناديق النفايات بأمريكا وبها آثار تعذيب فيتضح لزاما أن منظمات المجتمع المدنى المشبوهة الممولة أمريكيًا وأوروبيًا التى أسست فى عهد مبارك لاسترضاء الأمريكان كانت أول مسمار فى صناعة نعش المؤامرة المستهدف أن يحمل جثث ملايين المصريين، لا قدر الله، فى إطار الإستراتيجية الأمريكية لاستخدام ما سموه فى دوائرهم بالحرب الذكية للسيطرة على الشرق الأوسط وإعادة تقسيمه دون استخدام آلة الحرب الأمريكية، وتكبد مليارات الدولارات.
التشويش على العقول وتبديل الحقائق والدفع نحو الميوعة الوطنية وتغذية التطرف الفكرى وإشعال الصراعات الدينية والمذهبية كل ذلك من صنائع أجهزة استخبارات قوى الهيمنة العالمية والإقليمية، حيث يقدم الاستعمار الجديد المؤامرة مغلفة بشعارات الحرية والديمقراطية.
وفى ظل ما يحاك بالإقليم وما يراق فيه من بحور دماء يبزغ صراع عقيم بين دوائر النخب والإعلام والمهتمين بالشأن العام فى مصر حول وجود مؤامرة من عدمه، فيذهب المعادون لثورة 30 يونيو إلى نفى وجود أى مؤامرة، فمن وجهة نظرهم أنها مجرد ادعاءات الغرض منها إعادة إنتاج نظام ما قبل 25 يناير، وإرساء دولة ديكتاتورية بوليسية وتسبيب أى فشل فى الأداء العام بوجود مؤامرة داعمين موقفهم بالشكل البذىء وغير الأخلاقى لبعض المتناولين لحقائق المؤامرة، وفى طريقة عرض بعضهم التى تبعث على السخرية، وبالتالى سهولة التتفيه من الأمر من ناكرى المؤامرة، فى حين أن المعادين لثورة 25 يناير، بشكل عام، دون تدارك عن عمد أو غفلة أنها ثورة سلبها الآخرون لينفذوا مرادهم فى تملك البلاد والعباد وهو ما أسقطناه فى ثورة التصحيح فى 30 يونيو، حيث إن أبواقهم قد انصرفت واهتمامهم قد انصب على أن ينالوا بالتشويه من الحراك الشعبى فى 25 يناير فيتناولون المؤامرة التى تدور الآن، التى هى حقيقة وواقع، بتقديمها للرأى العام فى إطار التركيز على النيل والانتقام من ثورة يناير.
مصر كانت ومازالت فى قلب مرمى نيران هذه المخططات، وهو ما تؤكده تبعات سقوط الطائرة الروسية بسيناء ومقتل ريجينى ومواقف دول الغرب التى تفضح المؤامرة دون أدنى مواربة، فمازالت العين على سيناء كوطن بديل للفلسطينيين لحل أزمات الدولة الصهيونية، وخطر منظمات المجتمع المدنى المشبوهة «أهل السبوبة» مازال داهمًا وقائمًا فى تخريب العقول وفق خطة مخابراتية فى إضعاف الجبهة الداخلية وتغذية الانقسام المجتمعى فى الإيهام بأن أى حديث عن مؤامرة، فهى مؤامرة من أجل إرساء حكم ديكتاتورى ليتحول البعض دون إدراك إلى وقود يغذى المؤامرة ويقويها بإنكار وجودها والسخرية عند ذكرها.
وختاما، فإن الروشتة فى المواجهة تستوجب عدم اتخاذ المؤامرة مبررًا للتعسف فى المماس بالحقوق والحريات من مُعادى ثورة يناير بجانب الكف عن إنكار المؤامرة إلى الحد الذى يعينها ويقويها من مُعادى ثورة يونيو، وأن يسعى كل أطياف المجتمع نحو إرساء السلام الاجتماعى بعيدًا عن بؤر التطرف الفكرى لتقوية وتدعيم الجبهة الداخلية، فهى حائط الصد المنيع، فى مواجهة أى مؤامرة مهما كان حجمها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة