لم يتحمل الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أغنية ساخرة لمطربة ألمانية مدتها دقيقة ونصف الدقيقة، تهزأ به بشأن أوضاع حرية الصحافة فى تركيا، وأقام الدنيا واستدعى السفير الألمانى، وطلب اعتذارا رسميا، ولو تعاملنا معه بمثلما فعل، لكان التصرف الواجب هو طرد السفير التركى فورا، وليس مجرد الاستدعاء أو الاحتجاج، بيته من زجاج ولا يكف عن قذفنا بالطوب والحجارة، ويحشد كل المتآمرين على مصر، ويوفر لهم الحماية والإقامة والمحطات الفضائية، ولا يترك فرصة إلا وتحدث فى شؤوننا، وكأنه الراعى الرسمى للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
مشكلة رجب طيب أردوغان أنه فشل فى تسويق نفسه لدى أمريكا، على أنه فتوة المنطقة الجديد، ويستطيع أن يكون ذراعها الطويلة، ويؤدى نفس الدور الذى كانت تلعبه إسرائيل بطريقة مختلفة، هى احتواء تيارات الإسلام المتشدد، بالعصا والجزرة، فيضرب هنا ويهادن هناك، وهداه تفكيره أن يكون الإخوان هم وكلاءه فى مصر، فإذا خضعت سهلت مهمته فى إخضاع الآخرين، ولكنه أفاق من أحلامه الوردية على هدير المصريين فى 30 يونيو، يوم تخليص مصر من قبضة الإخوان، والإطاحة بأوهام أردوغان.
كان يبكى على قتلى «رابعة» بدموع مفضوحة، فهذا الديكتاتور الذى يقتل معارضيه، ويسحل المتظاهرات فى الشوارع، ظهر كالثعلب الماكر فى ثياب الواعظين، يمسك هراوة ثقيلة يضرب بها شباب بلاده السلميين، وفى يده الأخرى منديلا يجفف دموعه الزائفة على الإخوان غير السلميين، الذين أرادوا إقامة دولة داخل الدولة، ولجأوا إلى العنف والقتل وحرق المنشآت والممتلكات، ولم يسأل أردوغان نفسه لو كان هؤلاء فى بلده ماذا يفعل معهم؟
انكشفت خدعة أردوغان بشأن حقوق الإنسان، وأصبح مفضوحا أمام أمريكا وأوروبا، وانهالت عليه الانتقادات الحادة، التى كان يستخدم مثلها ضد الأوضاع فى مصر، وأطلق عليه الرئيس أوباما رصاصة الرحمة، عندما قال فى حديثه لمجلة جون أفريك، إن أمريكا كانت تتصور أن أردوغان يمكن أن يمثل الإسلام المعتدل فى المنطقة ويحتوى المتشددين، ولكنه فشل فى ذلك، لأنه يمارس الديكتاتورية والقمع فى بلده، ولوح أوباما بأن بلاده ستعتمد على إيران كقوة عظمى فى المنطقة، بما يعنى أن أردوغان أصبح «كارت محروق»، وأن أمريكا تذيقه من نفس الكأس وتتحالف مع عدوه اللدود.
ستأخذ المسألة بعض الوقت، حتى يعود أردوغان إلى صوابه بشأن موقفه من مصر، ويدرك أنه يتدخل فيما لا يعنيه، ويدس أنفه بطريقة فجة فى شؤون دولة أخرى، فهو لا يرعى الإخوان لأنهم الإخوان، ولكن من أجل مشروعه الفاشل، واستخدامهم كمخلب قط، ثم التخلص منهم عند أقرب محطة، وهو لا يدرك أنه لن يستطيع بسهولة صرف العفريت الذى حضره، وأن الخلايا الإخوانية التى زرعها فى بلاده، ستكون وبالا عليه، فقد اخذت تتمدد وتتسلل، وتجذب قطاعات من الشباب التركى، واشترك بعضهم فى انتخابات المكتب الإدارى للإخوان فى إسطنبول، وحدثت خناقات ومشاجرات تدخلت على أثرها الشرطة التركية، وهذا أول الفيض.
المحصلة هى أن شهر العسل بين أردوغان والإخوان على وشك الانتهاء، وأن الكوادر الإخوانية الضالة التى تعايشت على حساب التآمر ضد بلدها، تبحث الآن عن بلد ثالث يحتويهم بعد قطر وتركيا، وبدأت رحلة النهاية عندما اشترطت المخابرات التركية على أيمن نور، أن يخطرهم مسبقا بأى لقاءات يعقدها مع مسؤولين أمريكيين، خصوصا من سى آى إيه، وأن يقدم لهم تقريرا مفصلا عن فحوى اللقاءات، والهدف منها وماذا دار فيها، وإذا لم يفعل ذلك يكون مخالفا لشروط الإقامة، ولا أدرى إذا كان أيمن نور يدرك معانى الكرباج التركى.. والقهوة التركى!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة