بين المنظومة الأمنية فى مصر والمفهوم الحقيقى لاحترام حقوق الإنسان، مسافات بعيدة، فالوزارة تخسر كثيرا من رصيدها والنظام يفقد جزءا من شعبيته بسبب فيروس خطير ومتجذر فى البناء المصرى اسمه "عقلية الموظف".. ما علاقة هذا بالداخلية وحقوق الإنسان؟.. قصة "الدكش" فى القليوبية تستحق أن تروى وتتصدر صفحات الحوادث، فإن اعترافه بالجرائم التى ارتكبها يكفى أمام جهات التحقيق لإحالته للمحاكمة، لكن تبقى طريقة القبض عليه والمبرر الذى بنى عليه رجال المباحث سرعة ضبطه تثير الحيرة ، فهو متورط فى قتل ضابط زميلهم أى أنه داعب أنف الأسد وداس للداخلية "على طرف".. المسألة إذن كرامة وليست مهمة وطنية.
ارجع بالمشهد قليلا للخلف، هذا "الدكش" يعيش ويمارس أنشطته فى منطقة الجعافرة على بعد خطوات من العاصمة، وللعجب يسميها رجال الأمن "مثلث الرعب" لشهرتها فى الإجرام، وهذا لا يدعو للفخر وإن كان دليلا على الخطورة ، ماذا سيسميها المواطنون العزل، ولماذا تظل منطقة بهذا القرب من المركز على حالتها من الخطورة والانفلات من القانون، إلا إذا كان تحت السطح ما لا نعلمه ، وهل على الداخلية أن تتحرك لمطاردة المجرمين حفظا للأمن وحفاظا على حياة المؤمنين، أم أنها تنتظر حتى يستشهد احد أبنائها..؟
نحن المواطنون العزل، نحزن لاستشهاد أحد إخوتنا الضباط أكثر مما نفرح لمقتل المجرمين، فبعد أيام من ثورة 25 يناير كان المصريون يتلهفون لرؤية شرطى يؤدى عمله فى تلك الحالة السائلة بعد اختفاء الدولة وما صاحبه من غياب للأمن ، كانت الدماء التى تحملها مشاهد ضبط البلطجية أو القضاء عليهم"محببة نوعا ما" لشريحة كبيرة من المتفرجين، باعتبارها شواهد على ما تبقى من الشعور بالأمن.
بعد عودة هذا الشعور بنسبة كبيرة، عادت معه مخاوف انتهاك القانون، وقلق من الانتقائية فى تطبيقه، والتفرقة بين مواطن عادى وضابط، وللأسف الرياح القادمة تحمل بعضا من البوادر غير الطيبة .. فالانتقائية مستمرة ومستمر معها فى المقابل سوء المعاملة والبيروقراطية القاتلة فى كل مكان تديره الوزارة ، أكثر ما نخشاه أن يصبح الحماس للثأر ، غضبا يجنى ما كانت تجنيه عنصرية "الجاهلية الأولى" .. نعم جاهلية لكنها أنيقة هذه المرة ترتدى نظارة شمس فاخرة وتحمل أسلحة متطورة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة