لا يخلو لقاء بين 2 إلا وكان لمناقشات المستقبل حظ ونصيب كبير فيه، لو كنت طالب فى الدراسة الابتدائية، تحلم باليوم الذى تنتقل فيه إلى الإعدادية، ولو كنت فى مرحلة الثانوية العامة تنتظر اليوم الذى تطأ قدماك فيه أبواب الجامعة، وعندما تجلس مستمعا لإحدى المحاضرات بكليتك، تسرح بخيالك لما بعد التعليم، تفكر فى مستقبل ما بعد التخرج، حتى وإن أكرمك الله بالعمل الطيب، فيكون دائما عقلك مشغولا بالزواج والترقى ثم التخطيط لشراء سيارة وشقة للزواج.. قد تشعر أن الأمر انتهى، ولكن هيهات، أيام قليلة وستفكر فى «البيبى»، اسمه وحضانته ومدرسته، وهكذا تدور الحياة، ونحن ندور معها، قد نشعر بأننا تغيرنا بعد ما شهدناه فى السنوات الخمس الاخيرة.. ثورة ومجلس عسكرى وإخوان وعزل مرسى، وانتخابات رئاسية جديدة، وبرلمان جديد، ومواجهة إرهاب وتقلبات سياسية، تغير فكرنا وتعاملاتنا وقراراتنا وسلوكنا، ولكن المؤشرات على أرض الواقع تعكس أن التغيير جاء فى المزاج السياسى المتقلب فقط، ولكن الجوانب الاجتماعية ما زالت بائسة، لا تزال نسبة التحرش مرتفعة، ولا تزال الألفاظ والعبارات غير اللائقة تتردد أمامنا يوميا فى الشوارع، ولا تزال عصبيتنا وحميتنا المبنية على التهور هى السائدة والمسيطرة فى سلوكياتنا اليومية.
هنا لى دلالة مهمة.. فى محافظة القليوبية، تشاجرت عائلتان بسبب نزاع على الحدود الفاصلة لقطعة أرض زراعية مساحتها 3 قراريط، وتبادلوا إطلاق الأعيرة النارية، وترتب على الأمر مقتل 5 وإصابة 18 فى حالة خطرة، نعم مقتل 5 من العائلتين بسبب 3 قراريط، لن أتحدث معكم عن تفاصيل المشاجرة أو أبعادها أو حتى تحرك الأمر سريعا للسيطرة عليها أم التأخر أو مصير الـ 3 قراريط نفسهم، ولكن سأتحدث عن وصولنا لحالة من الرفض الاجتماعى للتسامح أو قبول الجلوس على «طرابيزة» واحدة للنقاش حول نزاع الـ3 قراريط، وارتضى جميعها، كل الأطراف، أن يكون الحل هو رفع السلاح، وإطلاق الرصاص حتى لو ترتب عليه القتل.
زاوية أخرى من التحليل للواقعة، تكمن فى ارتياح عدد من الأسر فى ريف مصر لحمل السلاح والاحتفاظ به، بل والإجهار باستخدامه دون أدنى مسؤولية، كما جرى فى القليوبية، وبمناسبة السلاح، تعالوا نتذكر سويا واقعة تيمور السبكى، تيمور أخطأ فى حق سيدات الصعيد، وسيحاسب بالقانون، ولكن أن يخرج عدد كبير من أهالينا فى الصعيد بمقاطع فيديو مسجلة حاملين الأسلحة، مهددين بقتل السبكى.. أعلم أن الفيديو قد يكون الدافع وراءه حالة الغضب، ولكن أى غضب يسمح لعدد كبير بالظهور بالأسلحة المتعددة فى أكثر من فيديو وبكل أريحية أيضا.
مجمل الواقعتين أننا اجتماعيا «بعافية شوية»، ندخل فى مشاجرات لأتفه الأسباب، ونرفع السلاح لأتفه الأسباب، ونقتل لأتفه الأسباب، وللعلم ستسمع بعد يومين أن جهودا أمنية موسعة للسيطرة على العائلتين وستسمع عن جهود بالمصالحة العرفية بينهما، وهذا أكبر خطأ قد نرتكبه لو تم، لأن الإصلاح الاجتماعى لمثل تلك الظواهر لن يكون بأن نجعل كبيرا العائلتين يلتقطا صورا مشتركة وهما يتصافحان، ولكن البداية هى التنفيذ الفعلى للقانون والإدانة الواسعة للواقعة من كل طبقات المجتمع.
حادث القليوبية.. جرس إنذار حقيقى، يحتم علينا مراجعة مناهجنا التعليمية، وطريقة التربية، وسلوكياتنا اليومية فى الشارع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة