الإعلام المصرى يعمل بلا قوانين أو هيئات تنظيمية أو نقابة أو مواثيق شرف، لذلك فهو يعيش فى فوضى بعيدا كل البعد عن المهنية، وعن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية أو المصالح العليا للوطن، لكن هناك جانبا مهما فى فوضى الإعلام مسكوت عنه، وهو وجود قنوات خليجية منافسة للقنوات المصرية العامة والخاصة تستخدم اسم مصر فى الترويج لنفسها، ومخاطبة الجمهور المصرى أكبر جمهور فى الوطن العربى.
هذه القنوات الـ«مصر- خليجية» هى طبعات أو مجرد أسماء لقنوات خليجية معروفة وذات تمويل هائل، وبالتالى قادرة على جذب أشهر وأهم الضيوف ومقدمى البرامج والإعداد والفنيين، مما يجعلها قادرة على منافسة القنوات المصرية والانتصار عليها فى معظم الأحيان!! ونجحت القنوات الـ«مصر- خليجية» فى خطف المشاهد المصرى، والحصول على نسبة معتبرة من إعلانات السوق المصرى، مما حرم القنوات المصرية من أهم مصادر التمويل، وجعلها تعانى من مشكلات مالية، ربما لن تمكن بعضها من الاستمرار.
وأعتقد أن هذه الوضعية تحتاج إلى تدخل من الحكومة باقتراح تشريعات وقواعد منظمة تحمى القنوات المصرية من المنافسة غير العادلة، وأنا أثق تماماً أن وضعية القنوات الـ«مصر- خليجية» غير معروفة فى العالم، لذلك سبق أن تدخلت الدولة، وأوقفت قناة «الجزيرة مصر مباشر» لأنها تستخدم اسم مصر وتبث برامجها من القاهرة، وهو وضع غريب لن تسمح به حكومة قطر أو أى حكومة خليجية، إذا ذهبت قناة مصرية، وأطلقت قناة باسم قطر من أرض قطر، أو باسم أى دولة خليجية ومن عاصمتها.
مطلوب باختصار أن تستخدم الدولة القانون أو النظام نفسه فى التعامل مع القنوات الـ«مصر- خليجية»، فكما أغلقنا «الجزيرة مصر مباشر» يجب أن نغلق بقية القنوات الـ«مصر- خليجية»، حتى لا تتهم الدولة بازدواجية المعايير، طبعا سيقول البعض إن هناك فروقاً كبيرة بين «الجزيرة مصر مباشر» والقنوات الـ«مصر- خليجية» الأخرى، التى لا تهتم بالسياسة وتركز على الترفيه، وهذا صحيح، لكن المبدأ واحد، وما طبق على «الجزيرة مصر مباشر» يجب أن يطبق على جميع القنوات، بغض النظر عن طبيعة ما تقدمه من برامج.
وإذا كانت «الجزيرة مصر مباشر» قد سببت أضراراً سياسية، وأطلقت شائعات وأكاذيب عن الأوضاع فى مصر، فإن القنوات الـ«مصر- خليجية» تسبب أضراراً بالغة لصناعة التليفزيون والإعلان فى مصر، خاصة أن إعلانات تلك القنوات تتركز على منتجات وخدمات مصرية، ومن ثم فإن تكلفة هذه الإعلانات يدفعها المواطن المصرى.
على صناع التليفزيون أن يتحركوا، وعلى الدولة أن تحسم الأمر، وقد ناقشت هذا الموضوع مع عدد من النواب التقيت بهم فى ندوة مؤخراً، وطلبت منهم فتح هذا الملف المسكوت عنه، الذى يهدد صناعة التليفزيون فى مصر، وإذا كانت علاقتنا القوية بدول الخليج تمنع تنفيذ إغلاق هذه القنوات، رغم كونها مشروعات خاصة، وليست تابعة للحكومات الخليجية، فإن هناك حلولاً كثيرة ليس من بينها منع أو إغلاق تلك القنوات، لأن هناك تحايل تكنولوجى يساعدها على استمرار بثها من خارج مصر.
وأنا شخصيا لا أعمل فى هذا المجال، ولا تربطنى أى مصالح مع القنوات المصرية، لذلك اقترح، ومن دون تحيز لأى طرف، أن تغير القنوات الـ«مصر- خليجية» أولاً أسماءها ولا تربط نفسها باسم مصر، فهذا حق حصرى للقنوات المصرية، وثانيا إصدار قانون يلزم هذه القنوات بدفع نسبة معتبرة من حصيلة إعلاناتها عن سلع وخدمات مصرية للخزانة العامة، وثالثا إصدار قانون يلزم المعلنين المصريين فى القنوات غير المصرية بتسديد نسبة من قيمة الإعلان للدولة المصرية.
وقناعتى بأن هذه المقترحات تمثل الحد الأدنى المطلوب لحماية السيادة المصرية، ودعم القنوات المصرية ووكالات الإعلان المصرية كى تطور قدراتها على العمل والمنافسة، واستعادة بعض من قوتنا الناعمة التى تتراجع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة