متى يفهم رجال المال عندنا معنى المسؤولية الاجتماعية؟
فى غمرة العمل، بثت وكالات الأنباء خبرا شديد الدلالة، غير المود الإخبارى السائد فى أخبار الوكالات عموما من أخبار القتل والتفجيرات والاعتداءات الإرهابية والتصريحات السياسية المتلونة وانهيارات البورصات أو صعودها لسبب أو لآخر، الخبر المفاجأة كان عبارة عن خطاب من أربعين مليونيرا بمدينة نيويورك، يناشدون فيه عمدة الولاية الديمقراطى أندرو كومو وكبار نواب الكونجرس ببحث زيادة الضرائب على السكان الأكثر ثراء فى الولاية للمساعدة فى مكافحة الفقر وإعادة بناء البنية التحتية.
الخبر المدهش والمبهج يتضمن تفسيرا شديد الرقى من المليونيرات الأربعين الموقعين على البيان لمطلبهم بزيادة الضرائب التى يدفعونها، يقول الموقعون: «نحن سكان نيويورك الأثرياء الذين ساهموا واستفادوا من الحيوية الاقتصادية للولاية، لدينا القدرة والمسؤولية على تحمل نصيبنا العادل، ونستطيع تحمل الضرائب الحالية، وبإمكاننا دفع أكثر من ذلك لتوفير إيرادات إضافية لمعالجة فقر الأطفال والتشرد والجسور المتهالكة والأنفاق وخطوط المياه والطرق»، وختموا خطابهم بجملة بديعة شديدة الدلالة: «أعتقد أننا بحاجة للاستثمار فى شعبنا».
أدعوكم للتأمل قليلا فى مغزى هذه الكلمات من مليونيرات نيويورك الذين يدفعون الضرائب بانتظام ولا يحصلون على ملايين الأمتار من أراضى الدولة برخص التراب، أو يحصلون على غاز المصانع مدعوما بأقل من سعره العالمى، ومقارنتهم بكبار رجال المال والحيتان عندنا الذين أثروا من مص دماء الفقراء واستغلال عصر الفوضى والفساد العظيم أيام حكم مبارك وعائلته، ثم هربوا معظم أموالهم الحرام للخارج، وتحايلوا لعدم سداد الضرائب عن مشروعاتهم بالداخل.
مليونيرات نيويورك يسارعون من تلقاء أنفسهم للنهوض بالفقراء والمحتاجين وإصلاح البنية التحتية لولايتهم وتعظيم الاستثمارات فى البشر، إدراكا منهم أن المجتمع المتوازن الذى يحظى بالعدالة الاجتماعية والعيش الكريم هو مجتمع أكثر أمنا واستعدادا للمستقبل، وأن المسؤولية الاجتماعية للأثرياء جزء لا يتجزأ من رواج أعمالهم واستثماراتهم، ولا تنتقص منها.
هل يتوافر هذا الفهم والإدراك لدى مليونيرات مصر الذين تهربوا من الضرائب بالحرائق المفتعلة لأكوام القش فى مخازنهم؟ وهل يتوافر هذا الحس بالمسؤولية عند من وضعوا أيديهم على أراضى الدولة دون وجه حق؟ ومن تسلموا ملايين الأمتار لاستصلاحها أراضى زراعية فحولوها لمنتجعات لجنى المليارات تحت شعار التنمية الشاملة؟ وهل يتوافر هذا الفهم لدى رجال المال الذين رفضوا التبرع لصندوق تحيا مصر المخصص للغارمات وتنمية المناطق العشوائية وتطوير المناطق الأشد فقرا وتوفير العلاج لملايين من مرضى فيروس سى؟!
لماذا يتصور البعض أن طريق الكسب هو بالضرورة طريق غير مشروع؟ أو أنه اتجاه واحد، استفادة قصوى دون سداد حقوق الدولة والمجتمع؟! نعم هناك رجال أعمال مشهود لهم بالعطاء والمساهمة فى مشروعات التنمية ومساعدة الفئات الأكثر فقرا واحتياجا والسرعة فى تلبية نداء الوطن بالمساهمة فى صناديق الخير، لكن كم عدد هؤلاء قياسا إلى العدد الإجمالى للمليارديرات والمليونيرات فى مصر؟
بالتأكيد أن النسبة الغالبة من رجال المال فى مصر ينطبق عليهم وصف «الحيتان»، يريدون المناخ الفاسد للتربح السريع على حساب حقوق الدولة والمجتمع، ويقاومون وجود آليات للعدالة الاجتماعية ومناخ من القانون يحاسب الغنى قبل الفقير وذى الحيثية الاجتماعية قبل من لا ظهر له، بل ويحاولون الاستقواء على الدولة حال محاسبتهم على ما اقترفوه من مخالفات أو ما وضعوا أيديهم عليه من ثروات وأصول عامة لا حق لهم فيها، من خلال منابر مشبوهة!
هل يمكن أن يأتى يوم ويدرك رجال المال عندنا معنى المسؤولية الاجتماعية؟ قادر يا كريم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة