عندما يأتيهم زلزال الإرهاب، فمؤكد أن الأغلبية من الشعوب الغربية لا يدركون أن حكوماتهم صنعت الإرهاب لنا بأفكار وخطط شيطانية أصابها العمى، وأخذتهم القوة بالكبرياء، فلم يتصوروا أن بضاعتهم سترد إليهم كلما تيسر، والمؤكد أن الأغلبية من الشعوب الغربية لا تدرك أن كل الأفكار المتطرفة وكل الوجوه التى تنتقب بالدين، جاءوا جميعا من حمل خارج الرحم العربى، ولكنه رحم واحد، وكأنهم أطفال أنابيب مسمومة. الإرهاب صنع لنا وكل من يرتدى ثوب الدين يسبح فى بحور التطرف أو يقف على الشاطئ فى أفضل الأحوال، المؤامرة التى التقى فيها الغرب علينا ليست استنتاجات، وإنما معلومات ووثائق وذاكرة تاريخية عصية على النسيان فى مقابل ذاكرة العرب التى تتشابه مع ذاكرة الأسماك، ويعاملنا الغرب على أننا فريسة سهلة للاصطياد والطعم هو الدين.
وكتاب «مسجد فى ميونخ» لمؤلفه أين جونسون به الأجوبة والمعلومات الصادمة والمهمة، فالتخطيط لاستخدام الإسلام لم تأت فكرته مع هجرة المسلمين إلى أوروبا فى الستينيات، ولكنها بدأت مبكرا منذ الثلاثينيات، أما لماذا مسجد ميونيخ، ولماذا استوقف المؤلف، فالإجابة بدأت عندما استوقفه فى إحدى المكتبات خريطة متعددة الألوان، وفى حوافها تفاصيل للمساجد الأكثر شهرة لم يكن بينها المركز الإسلامى فى ميونخ، وقد كان هذا بمثابة علامة استفهام وتعجب كبير، قادت المؤلف إلى هذا المكان فميونخ ليست مركزا للإسلام، وهذا المركز ليس المسجد الأكبر فى ألمانيا، وعندما سأل حارس المسجد عن سبب شهرته امتنع عن الإجابة، كما كانت ردوده عن باقى أسئلة المؤلف بجملة «لا أعلم».
جهل الحارس كان مريبا، هكذا يؤكد المؤلف لأنه كان على قناعة بأن نقطة بدء المراكز الإسلامية والمساجد كانت من الستينيات، فكانت المفاجأة أنها بدأت منذ الثلاثينيات، والأهم لماذا هذا المسجد تحديدا، ومن وراءه؟ الإجابة كانت للتخطيط لاستخدام الإسلام سلاحا سياسيا وقت الحرب العالمية الثانية، ليس هذا فقط بل لتنفيذ الاستراتيجية ذاتها خلال سنوات الحرب الباردة، والمفاجأة أيضا أن هذا المسجد لم يكن مخصصا للمهاجرين، وإنما كان يضم طائفة من المفكرين النازيين عمدوا إلى التخطيط لاستخدام الإسلام سلاحا سياسيا، إبان الحرب العالمية الثانية، ليستأنفوا الاستراتيجية ذاتها خلال سنين الحرب الباردة، أما الطائفة الثانية فكان معظمها أفراد من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، شرعوا فى انتهاج المنحى النازى والإفادة منه، أملا فى استخدام الإسلام لمحاربة الشيوعية وكسر شوكتها، أما الطائفة الثالثة كان قوامها حفنة من إسلاميين راديكاليين رأوا فى هذا المسجد موطن قدم لهم فى الغرب، ولم يكن هدف هذه الطوائف إنشاء مسجد للعبادة بقدر ما كان هو إرساء قاعدة لأنشطة سياسية، ويؤكد المؤلف أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت المسلمين فى السبعينيات والثمانينيات لمجابهة السوفيت فى أفغانستان، وهو ما أفضى إلى نشأة تنظيم القاعدة، فمسجد ميونخ قد اختمرت فكرة إنشائه قبل ذلك بثلاثة عقود، ففى أفغانستان تم توظيف الإسلام لخوض حرب انتظمت فيها جنود وعتاد، أما فى ألمانيا فقد سبق المسلمون نحو خوض حرب سيكولوجية حرب مذاهب وأفكار لا حرب دروع، وبالتالى كانت المستجدات الأيديولوجية والعسكرية تشمل العراق وأفغانستان وما أشبه الليلة بالبارحة تكتيكات أتت بنتائج عكسية بمثل ما قد جنت على نفسها براقش، فالحرب التى خاضها مسلمو ميونخ قد تمخض عنها أيديولوجية خبيثة بوجه الغرب. «الإسلاموية» وما أدراك ما هى، إنها ليست العقيدة الإسلامية كدين، بل هى نظام فكرى شديد العنف، نظام خرجت منه لبنة الإرهاب والعنف، اللذان اكتوت كل من نيويورك وواشنطن بنيرانها خلال هجمات 11 سبتمبر، ذلك العنف الذى كانت له سابقة تلو أخرى طالت الغرب عبر تاريخ طويل من إرهاب لم يسلم منه العالم بأسره، التنظيم الإسلاموى الأبرز فهو جماعة الإخوان، تلك الجماعة التى جعلت مسجد ميونخ خلية سياسية لخدمة أهدافها ومأواها. لقد كانت ميونخ نقطة انطلاق تلك الجماعة وتوغلها فى داخل المجتمعات الغربية، هذا الكتاب يؤرخ لبزوغ نجم الإخوان فى الغرب ويصف المؤلف هذه الجماعة بأنهم أناسا نادرا ما باحوا بمكنون صدورهم، وما قدمت أيديهم لاستشعارهم خجلا من التعاون مع أنظمة غربية مريبة وخيانتهم، وقد تزايد سوادهم، فتارة يكون الإرهاب عالما أو باحثا، وتارة يكون الإرهاب مناضلا، ويتساءل الكاتب، ماذا يبقى للمرء فى حياة جردت من وضوح وعلانية ومضت فى غابات السرية ومسارات الغموض؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة