أمى.. ياليت العالم مثل أمى فى نقاءِ قلبها ورقةِ مشاعرها واللائى تغلفهما قوة وصلابة لم أر مثليهما. تعبت وشقت وبذلت كل ما تملك لبناءنا أنا وإخوتي. راعتنا وراعت جدتى وأبى فى عافيتهما ومرضهما حتى توفاهما الله وبقيت هى فى حزنها صامدة، متماسكة من أجلنا.
فكرت كثيراً أن أكتب عن أمى، فأنا أمتلك موهبتها الإبداعية فى التعبير بالكلمات المكتوبة. تلك الكلمات التى كانت دائما ما تتزاحم برأسى ثم تفر منى هاربة عند الحديث عنها وعن رحلتها فى الحياة معنا ولأجلنا. فمهما كتبت لن تكفى أمى الكلمات.
عاشت وتعيش ودائماً ما تدعو الله أن يطيل فى عمرها فقط لإسعادنا، فأنا لا أذكر لحظة من حياة أمى عاشتها لنفسها.
دللتنا بكل حب وتفانى وأخذنا نحن هذا الدلال بكل أنانية وجفاء أحياناً كثيرة. لم نكن ندر ما وراءه من تعبٍ وشقاءٍ وتضحية.
سامحينا ياأمى بقلبك الكبير فهى طبيعة فى البشر ألا يشعروا بقيمة ما يملكون إلا بعد فقدانه.
أتمنى ألا أفقدك أبداً يا أمي.
ياليتنى أستطيع أن أهديك ما بقى من عمرى وفوقه سنين لتحيى أنتِ ولا يهم أن أموت. فالحياة بدونك موت لا أبغاه ولن أتحمله. فإن كان الموت علينا قدراً، فلنذقه معاً إذن فى نفس الميعاد وليجنبنا الله برحمته مُرَ الفراق.
أتعلمين يا أمى أننا نحيا بأنفاسك!
نعم نحيا بكِ أنتِ. فلا نشعر بطعم شيء فى الحياة إلا بوجودك. فالمنزل يملأ جدرانه الصقيع وأنتِ خارجه. والأكل يفقد رائحته الطيبة الشهية إذا كان من غير يدك. والكلمات تفقد بعضاً من إخلاصها إذا خرجت من غير فمك.
أتعلمين يا أمى أن فقط سماع صوتك يبعث بقلبى الأمان والطمأنينة!
يروى حنينى لذكرياتٍ كنت بها طفلة خالية البال والوفاض. ففى عينيك أنا لا أكبر يا أمى، وأنا لا أريد أن أكبر.
منذ أن مررت برحلتى الزواج والأمومة وأنا أحمل لكِ هذا الاعتذار بداخلي. اعتذارٌ لا أعلم كيف أبديه أو أعبر عن مدى حرارته وصدقه. إعتذار لما تسببنا لك به من استنزاف. نعم، لقد استنزفناكِ جسداً وروحاً وعمراً وأنتِ لم تبخلي، لم تعترضى بل ووقفتى مادة يديكِ إلينا بهم جميعاً، تتمنين لو تملكين ضعفهم لتعطينا إياه.
ليتنى مثلك يا أمى فى عطائك. ليتنى نصفك. ولكننى أبداً لن أرقى لمقامك.
فأنتِ ملكتى يا أمى، ستظلين دائماً وأبداً الملكة المتربعة على عرش قلبى وعرش حياتي. لك السمع والطاعة ياأمي، لك كل البر والحب والولاء ياملكتى النبيلة.
بارك الله لنا فى عمرك وزادك علواً على أرضهِ وفى جنتِه.
صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة