لم يشفع للمستشار أحمد الزند أنه كان بطل المعركة الضارية ضد الإخوان، ونجح فى لم شمل القضاة وتوحيد كلمتهم، وتصدى لمخططات الاختراق والإخوان، وكان درعا حاميا للنائب العام السابق عبدالمجيد محمود، عندما تربص به الإخوان وعزلوه وأوشكوا على إرساله لطرة، ولا نننسى مشهد القضاة وهم يحتشدون فى دار القضاء العالى للدفاع عن حرية القضاء واستقلاله، وكان الرمز الذى اجتمع القضاة حوله هو المستشار الزند.
ولم يشفع له أنه قاد عملية ناجحة لتطهير السلطة القضائية من ذيول الإخوان، ولم يكن فى استطاعة شخص آخر غير الزند أن يقوم بذلك، لأنه يمتلك الكاريزما والجرأة والشجاعة والحسم، بالإضافة إلى معرفته التامة بكل صغيرة وكبيرة، وذلك لرئاسته نادى القضاة لفترات طويلة، وأوقف مؤامرة الإخوان لتسريح أعداد كبيرة من القضاة، واستبدالهم بعناصر إخوانية من أعضاء نقابة المحامين.
وتمت الإطاحة بالمستشار الزند لخطأ لم يقصده، ولا يعقل أبدا أن الزند الأزهرى الحافظ للقرآن، يمكن أن يخطر بباله ما نسب إليه، ولكن فور انطلاق تلك العبارة فوق لسانه، اتجهت إليه كل منصات التصويب، وبدا واضحا أن خصومه كثيرون جدا، وينتظرون لحظة الإطاحة على أحر من الجمر، وبدأت الحرب قبل أن ينصرف من الاستديو.
أسلوب المستشار الزند فى الشهور الأخيرة، اكتسى بالنبرة الحادة والصوت الزاعق، والتهديد والوعيد فى بعض الأحيان.. كان يتحدث بحماسته وإخلاصه وعفويته، ولكنه تعامل مع المذيعين والكاميرات بثقة مفرطة وأمان تام، دون أن يضع فى اعتباره الكمائن الهوائية، أو الوقوع فى المحظور، واخترق حواجز الصمت التى سار على هديها وزراء العدل السابقون، وتصرف وهو وزير بنفس طريقته وهو رئيس لنادى القضاة، وشتان بين المواصفات القياسية للوظيفتين.
الدرس الأول المستفاد من قصة المستشار الزند، هو أن المناصب أصبحت مثل الجلوس على الكراسى الكهربائية، التى يمكن أن تصعق صاحبها فى أى وقت، لم يعد منصب وزير مريحا ولا مرموقا، ولا يحميه أحد، ولا يحمل لصاحبه الوجاهة والسلطة، ومنذ أن يستيقظ حتى ينام تحاصره المشاكل المتراكمة منذ سنوات، وباليل تتسلى عليهم الفضائيات «هاتلى الوزير على التليفون»، خصوصا وزراء الخدمات التى تتصل بالجماهير، فمهما فعلوا ولو واصلوا الليل بالنهار، لن يرضى عنهم أحد، وعند الخروج ترتسم على وجهه عبارة «لو أنى أعرف خاتمتى ما كنت بدأت».
والدرس الثانى المستفاد هو أن الوزير الشاطر، يضع بينه وبين الإعلام مسافة، حتى لا تحترق أصابعه، وإذا أراد أن يُظهر عمله ويبرز جهوده عليه أن يحدد متى يظهر ومتى يختفى، وماذا يقول ومتى يسكت عن الكلام المباح وغير المباح، فلا أمان للكاميرا والميكرفون والمذيع، ولا حافظ من زلات اللسان إلا بركة دعاء الوالدين، ولا شك أن رصيد المستشار الزند أخذ يتآكل تدريجيا، كلما ظهر فى برامج حوارية تتضمن موضوعات عشوائية مفاجئة، تفتقد مقومات الظهور الإعلامى الصحيح.
والدرس الثالث المستفاد هو الابتعاد عن مناطق الجدل الدينى الذى يوقع فى المحظورات، فرجال الدين الذين أدلوا بدلوهم فى الموضوع، أكدوا أن المستشار الزند لم يقصد ثم اعتذر، ورغم ذلك لم تشفع له نيته الحسنة ولا اعتذاره، واختلط الحابل بالنابل وكل يحمل لواء الدفاع عن الرسول الكريم، وكأن مصر كلها تحولت بين يوم وليلة إلى عابدين متشددين وفقهاء جهابذة، لا يبرحون المساجد، ولا يقومون من على سجادة الصلاة، وحملوا سيوفهم صائحين «واإسلاماه»، وضاع اعتذار الزند فى زحام الأصوات العالية.. وما حدث له يمكن أن يحدث بسهولة لآخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة