فى كل مرة الحكومة تتعهد وتقسم أن قراراتها الاقتصادية الإصلاحية لن تمس المواطن محدود الدخل الفقير، وتصدر القرار ولا يدفع ثمنها إلا الفقراء ومحدودى الدخل، ولأن هذا المواطن المطحون جرب عشرات المرات أن الحكومة متعودة على لحس كلامها فى لحظة، وأنها تقسم على ما لا تستطيع لأن فى السوق مافيا وحيتان لا تملك الحكومة حيالهم أى سلطة ردع ولا عقاب، وهؤلاء يحولون فاتورة أى قرارات ليدفع ثمنها الغلابة فى النهاية، فلم يعد المواطن يصدق حكومته ولا يأمن لكلامها مهما أقسمت وتعهدت، وكلما اقتربت من قرارات اقتصادية وضع هذا الموطن يده على قلبه وقال "استرها يارب" وهذه المرة الحكومة كما يبدو من تحركات رئيس الوزراء وتصريحاته ناوية على قرارات ربما تكون غير مسبوقة، وصفها رئيس الوزراء نفسه بأنها قد تكون مؤلمة، ومن غير اجتهاد ولا فهم اقتصادى فأول من سيتألم ويئن سيكون المواطن الذى ستقسم الحكومة بأن القرارات لن تمسه، ولا أعتقد أن هذا الألم لن يمر بسهولة على الحكومة وربما تدفع ثمنه غضب لأن المواطن لم يعد يتحمل مزيد من الالتزامات.
المؤكد أن الدولة بالفعل تحتاج قرارات جريئة وإجراءات غير مسبوقة من أجل زيادة مواردها، لكن الخطير أن احتياج الحكومة وأزمتها المالية تجبرها على خطوات غير محسوبة، ولذلك أفضل ألا يترك الرئيس للحكومة وحدها أن تتخذ هذه القرارات وأن يطلب منها التأنى لبعض الوقت على أن يتم تشكيل لجنة تضم مجموعة خبراء اقتصاديين وماليين محايدين يمثلون مدارس اقتصادية مختلفة توضع أمامهم الصورة الكاملة لوضع البلد والتحديات التى تواجهها ليدرسوا البدائل المتاحة بكل موضوعية، وبعيدا عن تأثير وزراء الحكومة الذين لا يشغلهم سوى تعويض العجز بأى طريقة.
هؤلاء الخبراء سيضعوا روشتة اصلاح كاملة ويقترحون القرارات التى يرونها لتوزع فاتورتها على الجميع وفى الوقت نفسه لن تصبح الحكومة ولا الرئيس فى مواجهة مع الشعب، لأن الخبراء يمثلون الجميع ولن يراعوا إلا ما يحقق مصلحة البلد والمواطن،وسيشرحون للناس مبرراتهم فى هذه القرارات، وستكون لديهم مصداقية فى الشارع واحترام من كل وسائل الاعلام والأحزاب تجعل الجميع يتجاوب مع توصياتهم، وأرشح أن يكون من بينهم شخصيات مثل الدكتور محمد العريان، والدكتور هانى سرى الدين، والوزير السابق د. جودة عبد الخالق، ورئيس جمعية رجال الأعمال حسين صبور، ولا مانع أن يكون بينهم شخصية مثل الدكتور محمود محيى الدين فمصلحة البلد تتطلب البحث عن الأفضل دون تفتيش فى المواقف السياسية، أيضا يمكن أن يكون بينهم عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كما أقترح أن تضم ممثل لحقوق الإنسان والعمال ومحدودى الدخل مثل عبد الغفار شكر.
هذه مجرد نماذج لأسماء يمكن أن تضمها هذه اللجنة الوطنية التى ترفع تقريرها إلى الرئيس مباشرة، ويمكن الاستعانة معهم بأى شخصيات لها رؤية وتجارب دولية ومصداقية فى الشارع، وهذه اللجنة ليست بدعة ولا تقليل من قيمة الحكومة وإنما حدث مثلها فى دول عديدة ومنها امريكا أثناء الأزمة الاقتصادية 2008، ومصر الآن أحوج ما تكون لمثل هذه اللجنة المتنوعة المحايدة لتضع خارطة طريق اقتصادية تسير عليها الحكومة ويتجاوب معها المواطن ويلتزم بها رجال الأعمال والقطاع الخاص، لأننا لسنا فى حاجة لخلافات جديدة ولا زيادة فى الفجوة بين الحكومة والشعب يستغلها المترصون، وإنما نريد قرارات توافقية يرضى عنها الغالبية. وتنقذ البلد من الغرق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة