مسيحى زوج يهودية قادم من القارة السمراء ترشحه دولة إسلامية
الكتابة عن الأستاذ محمد حسنين هيكل والدكتور بطرس غالى أمر صعب، مرهق بشكل خاص، لأن الكتابة ليس من باب التفضل عليهما، فهما لا يحتاجان، كلاهما فى العالم الآخر.. ولكن كتابة من باب النعى، النعى للتلامذة ولكل من قرأ كلمة واحدة من تراثيهما أو ممن اطلع على تفاصيل مشوراهما فى الحياة.
من بين أفضل القصص التى تتعلق بذاكرتى عن الدكتور بطرس غالى، وقت أن كان يستعد للترشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، كان النقاش الدائر بفريق العمل، كيف نروج للدكتور بطرس غالى بين الدول صاحبة التصويت، وكيف نقنعهم وسط المنافسة القوية والتحالفات المعقدة.. كان الحل يكمن فى الأيقونة.. والأيقونة هنا معناها.. كيف نصل إلى شعار ينتقل من فريق العمل إلى الدبلوماسيين فى الأمم المتحدة.
طال التفكير وبعد ساعات طويلة من المناقشات توصلوا إلى أيقونة بطرس غالى «رجل مسيحى يتزوج من سيدة يهودية قادم من القارة السمراء وترشحه دولة إسلامية ويتحدث اللغة العربية».. فكيف لا نختاره أمينا عاما للأمم المتحدة».. الإيقونة هنا أن بطرس غالى مرشح بمواصفات فريدة لا توجد فى غيره.
المهم، بعد أن انتهى فريق العمل المصرى من تلك العبارة بدأوا فى إجراء اتصالات دورية بكل الأصدقاء من الوفود الدبلوماسية لترديد تلك العبارة، وبعد أيام قليلة، كان الفريق المصرى يستمع لتلك العبارة من الأطراف الأخرى، وهنا شعروا أن بطرس غالى يقترب من منصب الأمين العام للأمم المتحدة.
نجاح بطرس غالى فى الجلوس على هذا الكرسى المهم، كان نجاحا للدبلوماسية المصرية، وللفريق المصرى الذى خطط لهذا الكرسى عبر العبارة الشهيرة التى لا أمل من تكرارها «مسيحى متزوج من يهودية، قادم من القارة سمراء، ترشحه دولة مسلمة ويتحدث اللغة العربية».
العبارة نفسها كانت سبب نجاح بطرس غالى فى مسيرته الدبلوماسية، خاصة أنه لم يكن يميز صفة عن أخرى، لم يلعب ابدا على ديانته المسيحية لنيل أية مكاسب شخصية، كان يقدم مصريته قبل كل شىء، وطنيته دفعته لتقلد أهم المناصب فى تاريخ الدبلوماسية، فكان قريبا من دوائر صناعة القرار فى سنوات طويلة من حياته، حافظا للأسرار، أمينا على المعلومات التى تقع تحت يديه، حريصا على نقل خبراته الدبلوماسية لأجيال بعده، فانتقل من منطقة رجل مهم يتقلد منصبا مهما، إلى رجل مهم صنع مدرسة مهمة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية.
بطرس غالى قريب الشبه بهيكل، يحسن اختيار علاقاته الدولية وتشبيكها، فتجد أنه كان يرتبط بعلاقة طيبة مع العشرات من رؤساء وزعماء العالم وعمداء الدبلوماسية فى أوروبا والشرق الأوسط، يقرأ كتبهم ويحللها، ويقدم استشارات سياسية ويستطيع التنبؤ بالمستقبل فى ضوء معطيات المشهد السياسى فى كل دولة وبكل إقليم، كان صاحب فلسفة جديدة فى العلاقات الدبلوماسية، يحسن اختيار العبارات فى المفاوضات الثنائية، ويدرك جيدا، متى يقول وكيف يقول وأين سيقول، لأنه ينطلق بالأساس من قاعدة «ليس الأهم الحديث عن الأشياء ولكن الأهم الحديث فى الأشياء».
بطرس غالى سيظل علامة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية والعربية والشرق أوسطية، ستظل سيرته كتابا مفتوحا لكل طالب علم فى مجال السياسة الدولية، سيظل اسمه مرتبطا دائما بإنجازات حققتها مصر دوليا، وستظل أيقونته فى الأمم المتحدة عنوانا هاما فى تاريخ الدبلوماسية «رجل مسيحى يتزوج من سيدة يهودية قادم من القارة السمراء وترشحه دولة إسلامية ويتحدث اللغة العربية».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة