فى العام الماضى كان الشعب التركى يئن من وضوح علامات التدهور والترهل التى أصابت اقتصاد بلادهم، حيث وصل سعر صرف الليرة التركية إلى مستوى متدنٍ مقارنة بالدولار، وكان من اللافت أن نقرأ تقارير اقتصادية تحذر من انكماش الاقتصاد التركى فى وقت كان الجميع يرسم علامات التعجب حول «التجربة التركية» فى النهضة الاقتصادية، لكن يبدو أن المثل القائل «لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع» تنطبق تماما على الحال التركى، بعد أن كان سعر الدولار فى تركيا العام الماضى 2.4 ليرة، أصبح اليوم 3.6 ليرة، والمتابع لأخبار الاقتصاد التركى يتأكد من أن كرة الثلج انطلقت والتدهور سائر فى طريقه.
الحيل التركية لمواجهة هذا التدهور الممتد باءت بالفشل السريع، فما إن خرج الرئيس التركى منذ أيام لحث الناس على صرف الأموال المكنوزة بالدولار حتى هبطت الليرة إلى مستوى قياسى جديد، والاقتراحات الاقتصادية للخروج من هذه الأزمة لا تغادر صندوق الأفكار المعلبة التى تحمل الكثير من المخاطر مثلما تحمل الكثير من الشعارات، والشعب التركى مازال يئن، والرئيس التركى رجب طيب أردوغان مازال يحث، والعالم يتفرج.
لا أحتاج هنا إلى القول، إن الاهتمام بهذه الأوضاع الملتهبة أمر فى غاية الأهمية بالنسبة إلى الوضع الداخلى فى مصر، فقد أصبحت تركيا عدوا استراتيجيا لمصر، تحالف من يعادينا وتعادى من يحالفنا، كما أن تدخلها فى الأوضاع الداخلية فى مصر يخرجها من دائرة الاختلاف إلى دائرة التآمر بامتياز، فلا مجال هنا للادعاء بأن تركيا استفادت فحسب من الأوضاع السياسية المضطربة فى مصر، بل لا أشك فى أنها كانت شريكا أساسيا فى التخطيط له، فإضعاف مصر سياحيا يجعلها قبلة لمن يريدون الاستمتاع بالحضارة الشرقية، وإضعافها اقتصاديا يجعل منها أقوى دول المنطقة، وإضعافها إقليميا يفسح لها الأجواء لزراعة حلم الخلافة فى عقول التابعين، وللأسف فقد استطاعت تركيا استمالة العديد من دول المنطقة إلى حظيرة التبعية مستثمرة حالة الاضطراب الذى عاشته مصر، هذا بالطبع غير إيوائها للإرهابيين ومعاداتها للمصريين فى المحافل الدولية، ولهذا فمن العبث أن تكون مصر هى طوق النجاة لتركيا عن طريق دعم اقتصادها بالاستيراد منها، حيث تأتى مصر فى قائمة أكثر 10 دول استيرادا من هذه الدولة «العدو». أمر غريب يحتاج إلى تفسير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة