أنا لا أدافع أو أهاجم الرقص الشرقى، ولكنى أقف متأملة مجتمعاً صار جزءاً من أزماته
حلقة تليفزيونية كاملة، فى برنامج من أحد برامج الليل منذ أيام تطرح للنقاش، كما قال مذيعها جريمة أخلاقية مكتملة الأركان ألا وهى أنه فى حفل عام لنقابة الصيادلة بمدينة الإسماعيلية كان من بين فقرات الحفل فرقة للرقص الشرقى! ولم أفهم ما وجه الجريمة فى الأمر، فأكملت المشاهدة لعلى أرى ما يراه الضيوف وبعض المتصلين والمذيع نفسه فى أن وجود فرقة رقص شرقى فى حفل مهما كان من يرتب له يستحق أن يوصف بأنه جريمة. ولم أجد إلا سجال انتخابى بين أعضاء النقابة مغلف بكلام عن الفضيلة والأخلاق والصحيح والخطيئة وكأن الرقص الشرقى حتى لو كان من يرقصه روسية غير مصرية هو مشكلة وخطيئة مجتمع الصيادلة الوحيد الذى يريدون أن يتطهروا منه!
أنا لا أدافع أو أهاجم الرقص الشرقى، ولكنى أقف متأملة مجتمعًا صار جزءًا من أزماته الرقص الشرقى والراقصة حتى أن المصريات هجرن المهنة وتولتها الروسيات والبرازيليات وغيرهن من كل الجنسيات، فحتى هذه المهنة التى كنا متفردين فيها عالميًا، خابت بسبب مجتمع يغطى رأسه ويعرى قدميه وتنقلب الدنيا على حفل تضمن فقرة رقص شرقى!
وبنفس هذه المقاييس نجد أنفسنا دائمًا أمام عنوان تقليدى وعبارة مكررة تدور على ألسنة العامة كثيرًا، وأقلام الزملاء الصحفيين كذلك، بلا أن يتوقف أحدهم ويفكر فى صحتها من كذبها أو عدم صحتها، أما العبارة أو العنوان فهو الإغراء فى سينما الأسود والأبيض راق بينما إغراء أفلامنا الآن إغراء يتسم بالإسفاف.
وهى عبارة جد كاذبة أو على الأقل غير دقيقة، وتنم عن عدم إدراك من يكررها، فمن قال إن مشاهد الإغراء كما يطلقون عليها فى أفلام الأسود والأبيض لو تجرأ وقدمها مخرج فى أيامنا تلك ستمر دون أن تجدد من يصرخ بأن السينما تروج لبضاعة فاسدة، وأنها تفسد أخلاق الشباب، ومن قال إنها لو أنتجت الآن لما خرج علينا بعض المحامين وأقاموا دعاوى قضائية على صناعها بتهمة إشاعة الفساد وتكدير السلم العام، وسأعطى مجرد أمثلة قليلة من بين عشرات بل مئات وآلاف الأفلام والمشاهد، فتخيلوا معى لو أن فيلم امرأة على الطريق لهدى سلطان ورشدى أباظة والعظيم شكرى سرحان وزكى رستم وواحد من أهم مائة فيلم فى تاريخ السينما، تم إنتاجه الآن وفيه زوجة تغازل وتحب أخو زوجها ألن تخرج أصوات تتهم صناعه أنهم يشيعون الفاحشة وزنا المحارم؟! تخيلوا معى لو أن هند رستم العظيمة الجميلة الموهوبة كانت تعيش بيننا الآن وقدمت فيلم صراع فى النيل، وهى تكشف عن ساقها لعمر الشريف كى تغريه هل كانت ستسلم من التلاسن عليها وعلى أخلاقها التى تفسد الشباب، ومئات من أفلام أخرى لنفس الممثلة التى نقول عليها اليوم إنها أرقى من قدمت الجمال والدلال فى السينما؟ هل كانت سعاد حسنى وهى تقدم بئر الحرمان بكل ما فيه من مشاهد لن يجرجروها لساحات المحاكم؟ وحتى فاتن حمامة ونادية لطفى وأبى فوق الشجرة والنظارة السوداء وتحية كاريوكا وغيرهم هل كانوا يقدمون إغراءً راق وفنًا محترمًا، والآن نحن نقدم المبتذل؟ فحتى أفلام السبكى التى يتهمونها بكل قبيح لا يقدم فيها قبلة واحدة أو مشهد خارج فقط هى فن ردىء الصنع.
إذًا الأمر لا علاقة له بالأخلاق والعيب والحرام، ولكن فقط الأمر فن راق مهما احتوى من قبلات أو إغراء وفن هابط مهما خلا منها.
وعود على بدء حين تصبح رقصة شرقية فى حفل مهما كان من ينظمه جريمة تستحق فقرة رئيسية فى برنامج مسائى، فلا معنى للحديث عن فن راق وآخر غير كذلك فى مجتمع مصر أن يغطى رأسه ويعرى ساقيه.
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس استشارى/محمد حافظ
الادب فضلوه على العلم
كل الحضارات قامت على القيم والاخلاق والمبادى