اعتمدت أغلب المدارس الاقتصادية فى تحليل علاقة المنتج والمستهلك على أساس أن دائرية الإنتاج لا تتوقف فحسب على تيارات مستخدمات الإنتاج الجارية (أى عوامل الإنتاج)، بل تتوقف أيضًا على المخزون من المواد الأولية، ومن السلع غير منتهية الصنع، وعلى الآلات والمبانى (أى رأس المال الثابت) وعلى المخزون من السلع الاستهلاكية.
وعليه فقيام أى نشاط اقتصادى (المنتج) يتوقف على تيارات من المستخدمات الجارية، ويقتضى أيضًا مستخدمات إضافية من صناعات رأس المال.. ما يؤكد أن أى تغير فى رأس المال العامل للاستثمار، يفسد التوقعات الخاصة بعلاقات الإنتاج وبالتالى يفسد نموذج المنتج والمستهلك.
ولأن رأس المال يعتبر مستخدمًا للمنتج المستقبلى لأى نشاط اقتصادى، فهو عنصر أساسى فى العلاقة الفنية بين رأس المال فى فترة والمنتج فى فترة أخرى (كجزء من تكلفة الإنتاج) ومعنى ذلك لا بد منا أن ندخل ما يسمى "بمعامل رأس المال" أى بعبارة أبسط (ربط قدر رأس المال المتطلب لأى استثمار بالمعدل الجارى لمنتج هذا الاستثمار) لنحدد به ما يلزم من مبانٍ وآلات لإنتاج وحدة واحدة من منتجات أى استثمار جارٍ أو جديد.
ويتوقف معامل رأس المال هذا على الأوضاع الفنية فى الاقتصاد، أى أن الوضع الفنى يحدد الكمية اللازمة من كل نوع من أنواع رأس المال المطلوب لوحدة من منتج معين، أو لزيادة هذا المنتج أيضًا (أى تؤدى إلى زيادة تناسبية أو نقصان تناسب فى رأس المال حسب درجة توافره والمحدد بسعر الفائدة على الاقتراض). والأمر هنا متشابك، لأن أى زيادة فى استثمار ما يتطلب زيادة فى الطلب على مختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى وذلك من خلال أثر (مضاعف الاقتصاد) وعلى هذا فإننا نواجه هنا وفى مصر حالة من حالات تطبيق من تطبيقات "معجل الاستثمار القومي"، لذا نوجه نظر الحكومة إلى أن المستخدمات الإضافية فى أى استثمار تحمل فى سبيل إنتاج سلعها رءوس أموال اضافية للتوسع فى إمكانيات الإنتاج الخاص بها.
فنأخذ مثلاً صناعة الحديد فى مصر، نجد أن إنتاج ألف طن حديد يتطلب من خلال حساب معامل رأس المال، كمية محددة من المبانى ومختلف الأجهزة ومخزون الفحم وغير ذلك فى أى مرحلة لإنتاج ألف طن حديد جديدة.
أما إذا أردنا زيادة المنتج فلا يكفى أن يزداد تيار المواد الأولية وكل مستخدمات الإنتاج الجارية الأخرى بما يتفق الزيادة المطلوبة فقط، بل لابد من زيادة رأس المال، وهو ما يتوقف على مخزون رأس المال المملوك للمستثمر ومدى توافر رأس المال لدى البنوك، وكلاهما يتوقف على أسعار الفائدة.
ويمكننا أن نرد إضافات رأس المال المطلوب إلى مجموعة معاملات أخرى مثل الاستثمار فى هذه الصناعة وما يطلبه من منتجات القطاعات الأخرى (أى مستخدمات صناعة الحديد)، وهل عنصر الزمن المتاح سوف يحقق الكفاءة الإنتاجية فى الوقت المناسب أم لا؟ الأمر الذى يدخل فى عنصر الزمن فى تحليل مختلف الاستثمارات وعلاقتها المتبادلة. وإذا أمكن أن نتوصل إلى هذا الحل فى شكل رقمى فإنه يمكننا الاجابة على أسئلة مختلفة تفسر لنا سير معدل الاستثمار فى مصر خلال الفترة المقبلة.
ولكن المؤكد أن هناك ربطًا واضحًا بين رأس المال اللازم لكل استثمار والمعدل الجارى للإنتاج لا يتوقف فقط على إدماج أيضًا معاملات رأس المال (أى ربط علاقة تكوين رأس المال فى فترة ما بالمنتج المنبثق عنه فى فترة أخرى.
وفى النهاية ننبه إلى أن آخر الدراسات الاقتصادية حول دفع معدلات الاستثمار ومحدداتها فى برنامج أبحاث جامعة "هارفارد" ركزت على دراسة وتحديد العلاقات القائمة بين الجهاز الانتاجى وإمكانيات الاقتصاد الانتاجية، وخلصت إلى أن العلاقات بين رأس المال والإنتاج لا تقتصر على حاجات رأس المال الثابت فحسب، بل تدخل فى اعتبارها أيضًا كل المشاكل الناتجة عن العلاقات بين المنتج الجارى والمخزون من المواد الأولية والمواد التامة وغير تامة الصنع، أى جانب تكلفة العمل وسعر الفائدة، ووضعها جميعًا فى مصفوفة معاملات رأس المال حتى يتحدد بدقة معدل الاستثمار الحالى والمتوقع فى أى دولة، عسى أن تأخذ الحكومة المصرية كل هذه الاعتبارات فى معالجة منظومة الاستثمار لندفع بالاقتصاد إلى الأمام.
· أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة