المجتمعات المستقرة هى تلك المجتمعات التى تعرف الحضارة وتدرك المدنية وتتذوق الفن وتقدر القيم وتحترم الآخر، ذلك غير المجتمعات القبلية البدوية التى تعتمد على النظام الأبوى الذى يقدس شيخ القبيلة ولا تعرف غير مبدأ السمع والطاعة، كان دائما قدر مصر وقدرها أنها هى التى تعطى وتحافظ على مصالحها من خلال مصالح الآخر، دائما هى بمثابة الأخ الأكبر وهى عمود الخيمة الذى لو انكسر لانهدمت الخيمة على رأس قاطنيها، وقد أدرك ذلك كثيراً من القادة العرب، وكثيراً ما اعترفوا بذلك قولاً أو فعلاً، ولذلك دائما ما تُستهدف مصر من الغزاة والطامعين على مدى التاريخ وما زالت، وقد قادت مصر حركات التحرر من الاستعمار للبلاد العربية إيماناً منها بالعروبة والقومية العربية، ولذلك وبعد 25/30 كان من الطبيعى أن تعود روح القومية العربية والتوحد العربى، لمواجهة تلك التحديات الخطيرة التى تواجه المنطقة بأثرها.
وهنا لا ننكر موقف بعض الدول العربية بعد 30 يونيو، مثل موقف الإمارات والكويت والملك عبدالله ملك السعودية، وما قاموا به فى إطار المواقف السياسية وتقديم المساعدات الاقتصادية، ولذلك رأينا مصر لم تتأخر فى المشاركة فى عاصفة الحزم دفاعاً عن الحدود السعودية، بالرغم من عدم إعلان مصر بالقرار وقامت ومازالت بحماية باب المندب نعم لم ترسل قوات برية لعدم تكرار تجربة الستينات التى وصلت إلى درجة العداوة بين مصر والسعودية، رأينا مصر تجامل السعودية عندما رفضت اقتراح السيسى بتشكيل قوة عسكرية عربية واستبدلتها بقوة إسلامية لا نتائج لها على أرض الواقع، التزمت مصر بالموقف فى مواجهة إيران ولم تعد العلاقات معها، بالرغم من وجود علاقات دبلوماسية بين إيران ودول الخليج، لم تعترض مصر على العلاقات الساخنة بين السعودية وتركيا، بالرغم من الموقف التركى العدائى لمصر، لم تغضب مصر من منع تصدير البترول السعودى إليها رغم حاجتها له ووجدت مصر البديل حفاظاً على العلاقات الأخوية، واتساقا مع الموقف المصرى الثابت كان من الطبيعى أن يكون الموقف من سوريا هو الحفاظ على وحدة أراضيها وحق الشعب فى اختيار النظام الذى يريده وعدم ترك الفرصة للإرهاب مع إعادة الأعمار، حيث إن الأمن القومى المصرى يرتبط بالأمن القومى السورى، وذلك حسب معطيات الواقع وحقائق التاريخ.
وبالرغم من أن هذا الموقف كان معلناً ومعروفا إلا أننا وجدنا النظام السعودى يأخذ مواقف لا تتسق مع العلاقات العربية، نظراً لموقف مصر من قرار مجلس الأمن مع العلم أن رؤية مصر بدأت تتحقق على الأرض الواقع السورية، حيث خضعت السعودية وأمريكا للأمر الواقع ولم يعد أحد يطالب بإسقاط الأسد، فقرار الدول هو ملك لها وحسب مصالحها الذاتية ورؤيتها السياسية ومنهجها الفكرى، كما لا يوجد فى العلاقات الدولية مهما كان التوافق ما يسمى بالتطابق، حيث إنه كلمة السر لإسقاط استقلالية القرار لأى دولة فما بالك بمصر، فهل تريد السعودية ذلك؟ أم أن السعودية قد أصبحت لم تحتمل عودة مصر لدورها الطبيعى بعد أن تصورت أنها الوريث، خاصة بعد اكتشاف النفط؟ وهل تلك الزيارة الكيدية لوزير الرى السعودى ومستشار الملك إلى سد النهضة وتلك الشراكات التنموية والاقتصادية مع إثيوبيا ستكون ضغطاً على استقلالية القرار المصرى؟ وهل وصل الكيد السعودى لحد الموافقة على بيان أمين التعاون الخليجى الذى يدافع عن قطر التى هى لسان حال جماعة الإخوان، فهل هذا يعنى أن السعودية ومجلس التعاون الخليجى قد أصبح فى نفس الجبهة القطرية الإخوانية؟ تلك مكايدات سياسية لن تحل مشاكل ولن تبنى علاقات، فمصر أكبر من المكايدات وتستطيع إعادة العلاقات مع إيران وهذا من مصلحتها ومن حقها، مصر تستطيع أن ترد الكيد بأساليب أكثر تحضراً، ولكنها هى مصر التى تعى العلاقات وتحافظ على العروبة، مصر قادرة على حل مشاكلها بإرادة شعبها وميراثها الحضارى وتجاربها التاريخية ونضالها الثابت، مصر لن تخضع لأحد ولا تسقطها المكايد، مع العلم أن التحديات لن تطول مصر وحدها، ولكنها قد بدأت فى أن تطول الجميع وعلى رأسهم السعودية ودول الخليج وسنرى فى قابل الأيام، «إن كنتم نسيتم اللى جرى هاتوا الكتب اللى تنقرى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة