مباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسى مع نظيره الجيبوتى عمر جيلة، الذى زار القاهرة مؤخراً، ووقع خلال زيارته 7 اتفاقيات ومذكرات تفاهم البلدين، جاءت بمثابة ترجمة حقيقية لنفوذ مصر الذى بدأ يعود وبقوة فى القارة السمراء، حيث تضمنت تلك الاتفاقيات تعزيز التعاون الاقتصادى والفنى، وبروتوكولات لتعزيز التعاون التجارى، ومذكرة تفاهم بين هيئة قناة السويس وهيئة الموانئ والمناطق الحرة فى جيبوتى، ومذكرة تفاهم فى مجال الصحة والدواء، ومذكرة تفاهم فى مجال التعليم الفنى، ومذكرة تفاهم فى مجال الاشتراك فى المعارض والأسواق الدولية، ومذكرة تفاهم فى مجال استيراد وتصدير المواشى واللحوم.
وتولى مصر منطقة شرق إفريقيا أهمية خاصة خلال الفترة الماضية ظهرت بوضوح فى سياستها الخارجية من خلال دعم استقرار دول تلك المنطقة إيمانا منها بأنه يمثل استقرارا لأمنها القومى، ومن بين دول تلك المنطقة تكتسب جيبوتي أهمية خاصة نظرا لطبيعتها الجغرافية المتميزة، التى تحدث عنها الرئيس السيسى مشددا على أهمية موقع جيبوتي وارتباطه المباشر بأمن منطقة البحر الأحمر.
وبالنظر إلى موقع جيبوتي - أصغر دولة في منطقة القرن الإفريقي - على الخريطة يتبين مدى أهميتها لمصر فهى دولة جوار لإثيوبيا والتى تعتمد عليها بشكل أساسى فى ٧٠٪ من صادراتها ووارداتها، ولا يخفى على أحد أهمية العلاقات مع إثيوبيا بالنسبة لمصر وملف مياه النيل والمفاوضات الجارية حول سد النهضة حاليا وتأثيره على حصة مصر من المياه، ومن جهة أخرى فهى أيضا دولة جوار للصومال والتى تعانى من الإرهاب وكذلك عانت لسنوات من القرصنة التى هددت التجارة العالمية فى هذه المنطقة، ومن جهة ثالثة فهى تقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب الذى يؤثر مباشرة على حركة الملاحة فى قناة السويس.
تلك الأهمية للموقع الاستراتيجى لجيبوتي ودول جوارها تضعها فى أولويات مصر بالقارة السمراء، خاصة عقب تهافت عدد من القوى الدولية والإقليمية مؤخراً على تعظيم التعاون معها مما يقلق مصر على أمنها القومى، وهو ماظهر جليا فى تصريحات الرئيس السيسى مع نظيره الجيبوتي، والتى أكد فيها على حرص مصر على تكثيف التنسيق والتشاور مع جيبوتي إزاء التحديات القائمة بمنطقتي البحر الأحمر والقرن الإفريقى، مشددا على أن ثوابت سياسة مصر الخارجية تقوم على عدم التدخل في شئون الدول الأخرى وعدم التآمر ضدها.
وارتباط جيبوتي بمنطقة القرن الإفريقي المطلة على البحر الأحمر والممرات البحرية الرئيسية للتجارة العالمية وتجارة النفط على وجه الخصوص، دفعت هذه الأهمية قوى دولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وفرنسا إلى السعى لإقامة قواعد عسكرية دائمة، خاصة في جيبوتي، من أجل حماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية، وتحولت جيبوتى فى سنوات قليلة من دولة صغيرة المساحة ضحلة الموارد إلى أكثر المواقع الإفريقية إغراءً للقوى الدولية والإقليمية.
وكانت العسكرية الأمريكية أولى القوى الدولية التى حطت فى جيبوتي فى عام 2002 لتتخذ منها مقرًا لقاعدة ليمونير الاستطلاعية الأمريكية ـ القاعدة الكاملة الوحيدة فى إفريقيا ـ وتعتبر الصين إحدى القوى التى كرست حضورًا اقتصاديًا بارزًا لها في جيبوتي، وأعلن الطرفان توقيع اتفاقية في مقابل أن تقوم الصين ببناء قاعدة عسكرية لمدة 10 سنوات بالبلاد مقابل دفع إيجار 100 مليون دولار سنويًّا، وتسعى دول تركيا وإثيوبيا وإيران إلى تعزيز تواجدها هناك.
وتعد الرياض من آخر الدول التى انضمت إلى السباق الدولى للتنسيق مع جيبوتى لإنشاء قاعدة عسكرية، حيث أعلن وزير الخارجية الجيبوتى محمود على يوسف قبل شهر موافقة بلاده على الوجود العسكرى السعودى، لتنضم بذلك لسابقيها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليابان والصين فى نادى يجمع قوى مختلفة يلعب كل لحماية مصلحته.
وإذا كانت الدولة فى شرق إفريقيا أصبحت محط أنظار القوى الدولية والإقليمية على حد سواء، فما بال مصر التى تعتبر جيبوتي أمنا قوميا بالنسبة لها لوقوعها على باب المندب وتحكمها فى حركة الملاحة والتجارة العالمية فى تلك المنطقة وما له من تأثير على قناة السويس، وانطلاقا من التحديات التى تحيط بالمنطقة من مخاطر إرهاب وحرب باليمن وصراع نفوذ إقليمى فإن مصر عليها تعميق أواصر التعاون مع القيادة السياسية فى جيبوتي ورفع مستوى التنسيق والتشاور السياسى خلال المرحلة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة