لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد إطاحة بجماعة الإخوان الإرهابية وتخليص لمصر منها ومن كوارثها، فإلى جانب الأثر الإيجابى الذى أحدثته فى بنية المجتمع المصرى وواقع الدولة ومؤسساتها، يبدو أنها كشفت القشرة الهشّة التى كانت تستر الجماعة وتخفى شقوقها وخلافاتها وصراعات قياداتها وعناصرها، الإصلاحيين أو القطبيين، الكبار أو الشباب، الأغنياء أو الفقراء، الصراعات العديدة والمتداخلة التى بدأت تطفو على السطح خلال الشهور الأخيرة، إما لصراع على منصب، أو اختلاف على صلاحيات ومهام، أو طمع فى تمويل ومصالح مالية، تتعدد الأسباب والخلاف واحد، والنهاية واحدة، الجماعة الإرهابية التى تأسست على طموحات شخصية ومصالح وخدمة لأهداف دول وحكومات ومخابرات عالمية، أصبحت جماعتين فى الوقت الحالى، والأمر مرشّح للزيادة، على طريق التفتت الكامل.
مؤخّرًا اشتعلت موجة جديدة من موجات الصراع، والآن نقف أمام مصير غامض ينتظر القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، محمود عزت، المعروف إعلاميًّا بلقب "مستر إكس الإخوان"، بعد الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها قيادات الجماعة داخل مصر، ممن يمثلون جبهة القيادى السابق محمد كمال، زعيم التيار القطبى والجناح العنيف بالجماعة، الذى صفّته قوات الشرطة فى مواجهة سابقة بالقاهرة، ومن قائمة الإجراءات المذكورة تشكيل مكتب يدعى "المكتب العام للإخوان"، ليكون بديلا لمكتب الإرشاد، واختيار شخصية لم تعلن الجماعة عنها رئيسًا لهذا المكتب، ليكون بمثابة المرشد العام.
هذه الإجراءات انعكست بطبيعة الحال على منصب محمود عزت، الذى ظل لفترة طويلة متمسكًا بموقعه وصلاحياته بعد القبض على محمد بديع، المرشد الحالى للجماعة، وظل هذا المنصب محل خلاف شديد بين عدة جبهات متصارعة داخل الجماعة، حتى جاءت الإجراءات الأخيرة لتسفر عن اختيار مجلس شورى جديد للتنظيم، ومكتب إرشاد مؤقت.
هل يمكن إبعاد محمود عزت عن منصب القائم بأعمال المرشد؟
فى ظل الرفض القاطع من جبهة محمود عزت للإجراءات الأخيرة، وتأكيدها على أنها تعتبرها كأن لم تكن، يظل "عزت" فى انتظار مصير غامض خلال الأيام المقبلة، إذ يسعى شباب الجماعة لوضع القائم بأعمال المرشد أمام الأمر الواقع، وإجباره على التنازل عن منصبه، إلا أن محمود عزت يصر على أن هذه الجبهة غير ممثلة للجماعة ولا تستحق اتخاذ أيّة قرارات.
يظل إبعاد محمود عزت عن منصبه داخل الجماعة أمرًا صعبًا للغاية فى الوقت الحالى، بسبب الملفات المفتوحة التى يمتلكها "عزت" ويمسك بتفاصيلها، إذ من المتوقع أن يستغلها بقوة ضد محاولات تمرد شباب الجماعة ضده، وعلى رأسها الملف المالى، والإعانات التى يرسلها للمكاتب الإدارية للجماعة، بينما من المتوقع أن يتمثل الضغط من الجبهة الأخرى فى تقديم استقالات للمكتب العام الجديد للإخوان، لفرض هذا الأمر الواقع واعتبار التشكيل الجديد هو الممثل للجماعة.
كروت محمود عزت للرد على الإجراءات والاحتفاظ بمنصبه
من جانبه، قد يرد محمود عزت على تلك الإجراءات بقطع إرسال المعونات المالية للأسر الإخوانية، وقطع الأموال التى تُضخ للمكاتب الإدارية بالمحافظات، إلى جانب توجيه تعليمات للتنظيم الدولى للإخوان، لإعلان أنه ما زال هو القائم بأعمال المرشد، والتواصل مع حكومات غربية لإيهامهم بأنه لا يوجد انقسام إخوانى وأن الأمور على ما يرام.
إلا أن الجبهة الأخرى سبقت القائم بأعمال المرشد فى ترتيباته المتوقعة، بعدما تواصلت مع المكتب الإدارى للإخوان فى الخارج، لدفعه للتقدم باستقالته، ومن ثمّ يمكنها أن توضح للخارج أنه لم يعد هناك مكتب للجماعة فى الخارج، وأن كل من سيتواصل معهم غير ممثلين للجماعة.
فيما استغلت جبهة محمود عزت، سيطرتها على القنوات الإعلامية التابعة للجماعة للعمل ضد الترتيبات الجديدة، إذ فتحت مساحات واسعة لـ"طلعت فهمى"، المتحدث باسم جماعة الإخوان والمحسوب على جبهة محمود عزت، ليعلن عدة مرات أن القيادة المتمثلة فى "عواجيز الإخوان" ما زالت كما هى ولم تتغير، وأنه لا يوجد مجلس شورى جديد للإخوان.
كمال حبيب: الإجراءات الأخيرة استمرار لحالة الانقسام فى الجماعة
وحول مصير محمود عزت داخل الإخوان خلال الفترة المقبلة، يقول الدكتور كمال حبيب، الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية، إن الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها مجموعة من شباب الإخوان، من تشكيل مكتب إرشاد مؤقت للجماعة، واختيار مجلس شورى جديد، ستعمق انقسام الجماعة، موضّحًا أنها إجراءات غير كافية لاكتساب شرعية داخل الجماعة بما يكفى للإطاحة بمجموعة محمود عزت.
وأضاف "حبيب" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن مجموعة محمود عزت قطعت الطريق على شباب الإخوان وإجراءاتهم الأخيرة، معتبرة أن ما يصلون إليه من ترتيبات وقرارات لا قيمة له، وأن هناك طريقًا حددوها لاستقبال بيانات الجماعة، متابعًا: "من ثمّ فإن الإجراءات الأخيرة هى استمرار لحالة الصراع بين المجموعتين داخل الجماعة، دون أن تعنى أى تطور فى المسار، سوى تعميق حالة الانقسام بين المجموعتين، وتبقى مجموعة محمود عزت الأقوى".
ويتابع الدكتور كمال حبيب تصريحاته قائلا: "سيظل محمود عزت قائمًا بأعمال المرشد وفق القرارات القديمة التى يتمسك بها، ووفق رؤيته والمجموعة التى تؤيده طبعًا، خاصة أن المجموعة الأخرى لم تعلن أسماء من تم انتخابهم، ولا المجمع الانتخابى الذى انتخبهم، ولا عدد المنتخبين فى مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، وهو ما يعنى أنه سيكون هناك هيكلان إداريان، كل مجموعة من المجموعتين المتصارعتين لها هيكل"، مؤكّدًا أن محمود عزت سيظل محتفظًا بالموارد المالية وبدعم القيادات القديمة التاريخية وقيادات السجون والماكينة الإعلامية، ووفق هذه المكاسب سيظل متمسّكًا بمقاليد السلطة وتقاليد الجماعة الإصلاحية، معتبرًا الترتيبات الأخيرة إجراءات لمجموعة منشقة وليس للجماعة.
قيادى منشق: جبهة الشباب أداة للمخابرات القطرية والتركية ضد مصر
الرأى السابق للدكتور كمال حبيب، يتوافق معه طارق البشبيشى، القيادى المنشق عن جماعة الإخوان الإرهابية، الذى وصف تلك الإجراءات التى اتخذها قيادات الجماعة فى مصر بأنها إجراءات إعلامية فقط، قائلا: "هذه الجبهة - أى جبهة شباب الإخوان - تستخدمها المخابرات القطرية والتركية وهى فى حالة حرب حقيقية مع مصر، ولا تعترف بهزيمتها فى 30 يونيو، وتمتاز تلك الجبهة بامتلاكها أموالا طائلة وجهازًا إعلاميًّا قويًّا، سواء المواقع أو الميليشيات الإلكترونية أو القنوات الفضائية.
ويشير "البشبيشى" فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، إلى أن ما حدث هو إجراءات إعلامية اتخذتها جبهة الشباب، ومن المستبعد تطبيقها على أرض الواقع، لكنها بلا شك ضربة قوية لاتجاه محمود عزت وإبراهيم منير ومكتب لندن المختلف معهم، حول طريقة وشكل الصراع مع النظام فى مصر، متابعًا: "مكتب لندن أولوياته الحالية هى الحفاظ على التنظيم ومحاولة إعادة إحيائه بعد الضربات التى تلقاها، ويعتقد أن انتهاج العنف فى هذه المرحلة هو انتحار للتنظيم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة