7 سنوات مضت على القرار الأمريكى المنطوق على لسان محكمة عراقية بإخراج صدام حسين من الحياة، وشطب اسمه من سجل الصراع بشكل كامل ونهائى، ولكن يبدو أن هناك فصيلاً من البشر لا يموت بانقضاء الحياة وسريان قوانين البيولوجيا التقليدية، إذ يظل حاضرًا بالاسم والفعل والتأثير، وبعد أكثر من 13 سنة على الغزو الأمريكى للعراق، يعود اسم صدام حسين للتردد فى بغداد وغيرها من المدن العراقية، يذكره العراقيون المهجّرون، وغيرهم من المقيمين بالداخل، ويتحدث عنه الباحثون والمؤرخون السياسيون بالغرب قبل الشرق.
فى هذا الإطار، يقول جون نيكسون، خبير بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA"، وهو أول من استجوب الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، فى مقال نشرته صحيفة "ديلى ميل"، إن لقاءاته مع الرئيس العراقى الأسبق أثبتت أن العديد من نظريات الولايات المتحدة الأمريكية بشأنه كانت خاطئة، ويأتى المقال وتناول "نيكسون" لتفاصيل هذه المرحلة مع اقتراب إصدار كتابه "استجواب الرئيس.. التحقيق مع صدام حسين"، الذى يُطرح بالأسواق نهاية الشهر الجارى.
حكاية جون نيكسون مع صدام حسين.. عميل الاستخبارات و"رجل الكاريزما المهم"
فى 13 ديسمبر 2003 استدعت القوات الأمريكية خبير الاستخبارات جون نيكسون، ليتعرف على الرجل الذى وجدوه فى غرفة تحت الأرض، وبعد رحلة طويلة، أدخلوه على الرئيس العراقى الراحل، الذى كان يرتدى "دشداشة" بيضاء ومعطفًا أزرق، ويقول "نيكسون" عن هذا اللقاء: "لا شك فى أن الرجل كانت له كاريزما، كان ضخمًا وقوى البنية، حتى كأسير على يقين أنه سيُعدم، كان ينضح بجو من الأهمية".
سأل الخبير الأمريكى الرئيس العراقى الأسبق، عن آخر مرة رأى فيها ولديه، فرد "صدام" بعنف: "من أنتم؟ هل أنتم مخابرات حربية؟ مخابرات؟ أجِبنى، عرّف نفسك"، وسأل "نيكسون" خلال اللقاء عن كثير وكثير من النقاط والتفاصيل، ولكن "صدام" كان يجيوب على ما يريد فقط، واشتكى كثيرًا من سوء المعاملة التى تلقاها من الجنود الذين ألقوا القبض عليه، كما سأله "نيكسون" عن أسلحة الدمار الشامل التى من أجلها غزت الولايات المتحدة الأمريكية بلده، ولكن "صدام" كان يسخر من المحققين.
ونقل جون نيكسون عن صدام حسين قوله: "وجدتم خائنًا دلّكم على صدام حسين، ألا يوجد خائن واحد يمكنه أن يقول لكم أين أسلحة الدمار الشامل؟ الأمريكيون مجموعة من الهمج، ولا يفهمون العراق، ونيتهم هى تدميرها"، على حد قول الكاتب الأمريكى.
صدام حسين لرجل الـCIA: أنا لست خائفا منك ولا من رئيسك
وضمن ما أورده جون نيكسون، أن صدام حسين قال خلال التحقيق معه "العراق ليس أمة إرهابية، لم تكن لدينا علاقة بأسامة بن لادن، وليست لدينا أسلحة دمار شامل، ولم نكن مصدر تهديد لجيراننا، ولكن الرئيس الأمريكى قال إن العراق يريد مهجمة أبها السعودية، وإن لدينا أسلحة دمار شامل".
ويقول خبير الاستخبارات الأمريكية جون نيكسون فى مقاله، وكتابه المنتظر، إنه سأل صدام حسين عمّا إذا كان يخطط لاستعمال أسلحة دمار شامل ضد القوات الأمريكية فى السعودية، ولكنه قال: "لم نفكر قط فى استعمال أسلحة دمار شامل، لم نناقش ذلك، نستعمل أسلحة كيماوية ضد العالم؟ هل يوجد شخص فى كامل قواه العقلية يفعل ذلك؟ من يستعمل هذه الأسلحة وهى لم تُستعمل ضدنا؟"
وفى لحظة اعتراف نادرة من الرئيس العراقى الراحل حول أنه كان يمكن أن يفعل ما هو أكثر لإيضاح نوايا العراق، على حد قول "نيكسون"، قال صدام: "إن روح الاستماع والتفاهم لم تكن موجودة، ولا أعفى نفسى من اللوم"، وعن لجوئه لأسلحة كيماوية فى مدينة "حلبجة" الكردية، غضب صدام حسين وقال منفعلاً: "أنا لست خائفًا منك أو من رئيسك، فسأفعل ما علىّ فعله لحماية بلدى، ولكننى لم أتخذ هذا القرار".
ويقول جون نيكسون، إنه بعد اللقاء الأول، نظر له صدام حسين "باحتقار قاتل"، مستدركًا: "صدام كان ساخطا بشأن حلبجة، ليس لأن ضباطه استعملوا أسلحة كيماوية، فلم يُبد ندمًا على هذا، لكن لأنها قدمت لإيران يومًا حافلاً من الدعاية".
وأشار "نيكسون" إلى أنه فى سنوات دراسته لـ"صدام" قيل له إن زوج أمه فى تكريت كان يضربه، وقال عدة خبراء نفسيين إن صدام حسين لهذا السبب كان قاسيًا، وكان يريد الحصول على أسلحة نووية، ولكن الرئيس العراقى الراحل قال إن زوج أمه كان من أرحم من عرفهم، مضيفًا: "إبراهيم حسن، الله يرحمه، إذا كان لديه سرّ كان يأتمننى عليه، كنت أعز عليه من ابنه أدهم".
الرئيس العراقى الراحل ينفى مرضه.. و"نيكسون": الرجل كان فى منتهى اللياقة
ويقول جون نيكسون إنه كانت لديه معلومات بأن صدام حسين يعانى من آلام فى الظهر، وأنه كف عن التدخين وتناول اللحوم الحمراء، ولكن "صدام" نفى، وقال إنه يدخن السيجار بمعدل 4 يوميًّا، ويحب اللحوم الحمراء، وكان الرجل فى منتهى اللياقة، على حد قول خبير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وتابع "نيكسون" قائلاً إن فكرة "الحكم بقبضة من حديد" كانت خطأ، ففى سنوات حكمه الأخيرة لم يكن يعلم ما كانت تفعله الحكومة فى الشؤون الداخلية، ولم يستوعب خطورة "العاصفة المقبلة" من غزو لبلاده، على حد قول الكاتب، كما كان يصر على عدم تورطه فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فقال: "انظر من كان متورطًا، ما هى البلاد التى أتوا منها؟ السعودية، وهذا المحمد عطا، هل كان عراقيًّا؟ كان مصريًّا، لماذا تظن أننى كنت متورّطًا فى هذه الهجمات؟"، كما ظن أن الهجمات ستجعل العلاقات العراقية الأمريكية أوثق، لأن واشنطن ستتفهم حاجتها لحكومته العلمانية لمحاربة التطرف.
صدام لرجل أمريكا: ستفشلون.. وستجدون أنه ليس من السهل حكم العراق
كانت الانفجارات تقطع استرسال الاستجواب أحيانًا، فاستنتج صدام حسين أن القوات الأمريكية ليست على ما يرام، فقال: "ستفشلون، ستجدون أنه ليس من السهل حكم العراق، لأنكم لا تعرفون اللغة والتاريخ والعقل العربى، من الصعب أن تعرفوا الشعب العراقى دون أن تعرفوا مناخه وتاريخه، إن الفرق يكمن بين الليل والنهار، وبين الشتاء والصيف، لهذا نقول إن العراقيين صعبو المراس، بسبب حرارة الصيف".
ويضيف صدام حسين ضاحكًا: "فى الصيف القادم والجو حار، من الممكن أن يثوروا ضدكم، صيف 1958 كان حارًّا قليلاً، فى الستينيات، عندما كان الجو حارًّا، كانت لدينا ثورة، قل ذلك للرئيس بوش"، كما نقل عنه الخبير.
جورج بوش يستدعى جون نيكسون.. ورجل الاستخبارات: مزحته غير مناسبة وكلفتنا 4 آلاف جندى
وفى أواخر عام 2007، بعد تنفيذ الإعدام بحق الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، استدعى الرئيس الأمريكى جورج بوش، خبير وكالة الاستخبارات المركزية جون نيكسون لمكتبه، وسأله عن "نوع الرجل الذى كان عليه صدام"، فقال له: "إنه كان مطمئِنًا فى البداية، واستخدم استنكار الذات بشكل طريف لكى تسترخى"، ولكن بدا على الرئيس بوش أنه سيفقد أعصابه، فقال له "نيكسون" بسرعة: "صدام الحقيقى كان ساخرًا، متعجرفًا وساديًّا"، ما هدّأ "بوش"، فالتقت عيناه بعينى نائبه ديك تشينى، فى نظرة "العالمين بالأمر".
قبل أن يخرج جون نيكسون من مكتب الرئيس الأمريكى بالبيت الأبيض، سأله جورج بوش مازحًا: "هل أنت متأكد من أن صدام لم يقل لك أين وضع قوارير الجمرة الخبيثة؟" وضحك الجميع، بينما يقول خبير الاستخبارات المركزية الأمريكية: "لكننى رأيت أن مزحته كانت غير مناسبة، فقد خسرت أمريكا أكثر من 4 آلاف جندى".
صدام حسين بعد القبض عليه - "ديلى ميل"
صدام حسين مع ابنته رنا - رويترز
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة