العمل الأهلى لا ننكر دوره ولكن بأموال المصريين ولصالحهم وليس لصالح أحد آخر
العمل الأهلى عرفه المصريون، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكان امتدادًا لفكرة الأوقاف الإسلامية والمسيحية. كما كان هذا العمل يعتمد على التبرعات التى يساهم بها المصريون فى مساندة ذلك العمل وتلك الجمعيات. وهذا العمل بجمعياته ومؤسساته كان يقدم الخدمات التعليمية والصحية ومساعدة الفقراء، وإن كان قد بدأ تحت مسميات إسلامية، وأخرى مسيحية، ولكنه لم يكن هناك أى مسحة طائفية حين ذاك، غير التسابق على تقديم الخدمات للمحتاجين. ولا ننسى هنا مدارس التوفيق بالقاهرة ومستشفى المواساة بالإسكندرية، كما أن جامعة القاهرة، كانت ثمرة يانعة من ثمار هذا العمل الأهلى. كما لم تكن تلك الجمعيات تسعى إلى عمل سياسى، ولكن بعد تغير وتطور آليات العلاقات الدولية، خاصةً بعد تحول الاستعمار الاستيطانى إلى أشكال أخرى من الاستعمار، بهدف السيطرة وتحقيق المصالح هنا وهناك لدول الغرب الاستعمارى القديم، إضافة إلى ظهور أمريكا كقوى مؤثرة دشنت أشكالًا استعمارية جديدة، حيث تم استغلال وتحويل ذلك العمل الأهلى عن طريق التمويل الأجنبى للقيام بأدوار غير مباشرة لخدمة ذلك الممول الأجنبى، عن طريق الالتزام بالأجندة الأجنبية المقدمة منه والتى يلتزم بها الممنوح نظير ذلك التمويل. وتلك الأجندة لم تقتصر على ما يسمى العمل الأهلى الحقوقى، الذى يدعى نشر الديموقراطية والدفاع والمحافظة على حقوق الإنسان، خاصة السياسية منها، ولكن كان هذا التمويل قد طال مجالات أخرى فى المجال الزراعى والصحى، ففى ثمانينيات القرن الماضى، وتحت مسمى المشروع الأمريكى لتمويل مشروعات زراعية وصحية، كان الهدف حينها تدريب الكوادر الوظيفية وتسفيرهم إلى أمريكا للتدريب على جمع المعلومات التى لاعلاقة لها بجوهر تلك المشروعات، إضافة إلى عمل غسيل مخ بشكل غير مباشر يحدث الانبهار بالنموذج الأمريكى لاستبدال الهوية والثقافة المصرية بغيرها من الثقافات التى أثرت ولازالت على الهوية والثقافة المصرية. ثم رأينا بعد ذلك، ذلك التمويل تحت مسمى الديموقراطية، وحقوق الإنسان، فرأينا الدور الذى كان واضحًا فيما يسمى بالربيع العربى وقد شاهدنا حجم التمويل الأجنبى الذى فاق كل الحدود لتلك الجمعيات، ناهيك عن تمويل الجمعيات التى تتاجر بالمسميات الدينية، إسلامية ومسيحية، وكان نتيجة ذلك تكريس وتجذير المناخ الطائفى الذى كان أهم أهداف ذلك التمويل الأجنبى، لتفتيت الأوطان تحت مسمى حماية الأقليات الدينية، ولا ننسى هنا ما يسموا بأقباط المهجر، هنا لماذا هذا الخوف، وتلك الهجمة على قانون الجمعيات الجديد؟ نعم كان يمكن أن يكون هناك حوار مجتمعى أوسع لكشف حجج المدافعين عن التمويل الأجنبى. وماذا يضير الذين يؤمنون بقيمة وجوهر العمل الأهلى لوجه الله والوطن، والذى يعتمد على التبرعات المحلية لأهل الخير؟ فهل نترك الحبل على الغارب للذين يمارسون نشاطًا يهدد سلامة الوطن أو الذين يشكلون ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية أو نشاط سرى أو تقديم تقارير أو الحصول على تمويل أجنبى بدون الحصول على موافقة الجهات؟ وماذا يضير الذى يريد التمويل الأجنبى أن يخضع للقانون وإلى جهاز تنظيم الجمعيات إذا لم يكن هادفًا إلى مصلحة شخصية ويريد هذا التمويل دون شروط أو خضوع لقانون كما رأينا فى قضية التمويل الأجنبى التى لازالت تنظر أمام القضاء؟ كما أن المادة 122 من ميثاق العهد الدولى، أكدت أنه من حق الدول وضع القوانين التى تكفل أمنها وسلامتها.
وهنا لا نرى من يرفض القانون غير المستفيدين من هذا التمويل، والذين يسترزقون منه ويتاجرون به، بحجة حماية الحريات وحقوق الإنسان. مع العلم أن الحريات وحقوق الإنسان لا تتحقق بغير بذل الذات والتضحية والشفافية والنضال السياسى والحزبى على أرض الوطن، ومع الجماعة الوطنية دون مقابل، وبغير أموال الدول التى لا تعنيها الديموقراطية ولنشاهد العراق. العمل الأهلى مشروع ومطلوب ولا ننكر دوره، ولكن بأموال المصريين ولصالحهم وليس لصالح أحد آخر، ولا يخاف القانون غير المخالف للقانون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة