أعلنت هيئة البحرين للثقافة والآثار، عن اكتشاف تاريخى مهم ينير فصلاً من فصول تاريخ مملكة البحرين المكتوب، إذ يعود إلى أكثر من 3,700 سنة - أى تقريباً إلى عام 1,700 قبل الميلاد.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفى، عقد أمس الاثنين، 28 نوفمبر 2016م، فى متحف البحرين الوطنى، حيث تم اكتشاف أسماء ملكين من ملوك دلمون ممن حكموا أثناء العصر البرونزى فضلاً عن تحديد مدفنيهما الملكيين.
وكشفت تحاليل الكربون المشع التى أجريت على المدفنين الموجودين فى المدافن الملكية بقرية عالى وسط المملكة أنهما بُنيا تقريباً فى عام 1,715 و1,700 قبل الميلاد.
وصرحت الشيخة مى بنت محمد آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار: جهود التنقيب متواصلة طوال العام، ولكن هذه المرّة كشفت التنقيبات عن سرٍ جديد يمكن اعتباره منعطفاً مهماً مرّت به مملكة البحرين".
وأضافت: ولازالت طبقات الأرض تُخفى فى جعبتها ما يجعلنا نتوق لاكتشافه والإعلان عنه. ولفتت بأن التراث والآثار هى ما يميز البحرين، وأن هذا الاكتشاف جاء نتيجة لجهود امتدت على مدى سنوات، وهذا ما يجعل هيئة البحرين للثقافة والآثار تخصص عنوان العام القادم ليكون "آثارنا أن حكت"، حيث إن لمملكة البحرين تراثاً إنسانياً يستحق المحافظة عليه والترويج له بما يساهم فى دعم الاقتصاد من خلال السياحة الثقافية القائمة على التراث والآثار.
من جانبه قال الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة المتاحف أن هيئة البحرين للثقافة والآثار تولى اهتماماً كبيراً بالبحوث والتنقيبات التاريخية والأثرية. وأضاف بأن هذا الاكتشاف بدأ بجهود منقبين بحرينيين عملوا باجتهاد كبير، وهو ما يعكس اهتمام الهيئة بجهود الفرد البحرينى وإسهاماته فى العمل الأثرى.
كذلك قال الدكتور ستيفن لارسن خبير الآثار من فريق التحقيقات المشترك بين متحف البحرين ومتحف مويسغارد بالدنمارك إن: فريق من علماء الآثار البحرينيين اكتشف عام 2012 عدداً من شظايا أوعية حجرية فى إحدى المدافن الملكية فى عالى. وكانت هذه الأوعية فى الأصل قد وضِعت فى مدفن ملك دلمونى من العصر البرونزى. وتبينت لفريق الباحثين مدى أهمية هذا الاكتشاف عندما أظهرت التحاليل التى أجريت على هذه الشظايا أن أربعة من تلك الأوعية تحمل نقوشاً مسمارية مكتوبة باللغة الأكادية القديمة.
وأضاف: كشفت عملية ترجمة هذه النقوش وتحليلها التى قام بها البروفيسور جيانى مارتشيزى من جامعة بولونيا بإيطاليا أن ثلاثة منها تذكر اسم الملك الذى كان يرقد فى المدفن، حيث أظهرت أن اسمه كان "ياغلي-إيل" (Yagli-El) وأنه كان "خادم إنزاك من أغاروم" (Inzak of Agarum). أما اسم "ياغلى-إيل" فيعنى تقريباً "الإله يتجلّى بشخصه"، وذلك فى إشارة محتملة إلى مرتبة الألوهية التى كان يتمتع بها ملوك دلمون. ووفقاً للبروفيسور مارتشيزى، فإن اسم الملك الدلمونى يدل على أنه كان ينتمى للعموريين - أو الأموريين. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف فى كونه يثبت وجود صلة بين السلالة الملكية المدفونة فى عالى والممالك العظيمة فى بلاد ما بين النهرين التى حكمها العموريون أثناء تلك الحقبة الزمنية مثل بابل ومارى وحلب وآشور وإيبلا وغيرها.
وتذكر جميع النقوش قصر الملك وتدعوه بلقبه الدلمونى الملكى وهو "خادم (الإله) إنزاك من أغاروم"، وهو لقب معروف منذ عام 1879 كونه ذُكِر فى نقوش مجهولة التاريخ على "حجر دوراند" الشهير تقول "قصر ريموم (Rimum)، خادم (الإله) إنزاك من أغاروم". وتطابق النقوش المكتشفة حديثاً نقوش "حجر دوراند" تماماً مضاف إليها اسم الملك. ومن العجيب أن إحدى النقوش الملكية المكتشفة حديثاً فى عالى تذكر بالنص أن الملك "ياغلى-إيل" كان ابن الملك "ريموم".
ولتحديد التسلسل الزمنى للسلالة الملكية المدفونة فى عالى، عكف فريق الباحثين المشترك طوال السنوات السبع الماضية على البحث والتحقيق فى الترتيب الزمنى وتأريخ المدافن الملكية فى عالى، معتمدين فى ذلك على مزيج من التنقيبات الميدانية وتحليلات لعِمارة المدافن والتأريخ بواسطة الكربون المشعّ.
وأسفرت التحليلات التى قادها الدكتور لارسن بدعم من هيئة البحرين للثقافة والآثار ومتحف مويسغارد ومؤسسة كارلسبرغ فى الدنمارك عن تحديد مدفن الملك "ياغلى-إيل" التى وجِدت النقوش بداخلها، ما يعنى ضمناً أن المدفن الملكى المكتشف سابقاً يمكن أن يكون مدفن والده الملك "ريموم".
يذكر أن العموريون – أو الأموريون - شعب يتحدث اللغة السامية بدأ بالظهور على الساحة العالمية فى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وترتبط لغتهم باللغتين العبرية والعربية. ووفقاً لمصادر سومرية قديمة، كان العموريون فى الأصل يتخذون مساكنهم فى الخيام ويعيشون أسلوب الحياة البدوية. غير أن القبائل العمورية لاحقاً - ربما مع بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد – غزت وفرضت سيطرتها على معظم الأراضى الواقعة اليوم فى سوريا والعراق وربما أيضاً أراضى دلمون واستقروا فى الحواضر، وأصبحوا بحلول القرون الأولى من الألفية الثانية قبل الميلاد القوة المهيمنة فى منطقة الشرق الأوسط.
وتقع المدافن التَلّية الملكية فى عالى فى وسط شمال الجزيرة الرئيسية لمملكة البحرين. وكان يتألف الموقع فى الأصل من 12 إلى 14 تلٍّ ملكى كبير الحجم يحدّها نحو 200 مدفن تلّى كبير الحجم أيضاً وكانت هذه الأخيرة مخصصة لعلية القوم أو كبار رجال الحاشية ويعود تاريخها إلى ما بين أعوام 2,000 و1,700 قبل الميلاد. بقيت 10 من هذه المدافن الملكية محفوظة إلى هذا اليوم، وكان يصل علوها إلى 15 متراً ولا يزال علو بعضها يصل إلى 12.5 مترا. وقد اكتُشفت المقبرة الملكية فى الزاوية الشمالية الغربية من أكبر مقبرة تلّيّة فى العالم إذ كانت تحتوى فى الأصل على 11,000 مدفن مخصص للناس الذين كانوا ينتمون إلى الطبقات الدنيا من المجتمع الدلمونى.
وكانت المدافن الملكية فى عالى منذ عام 1879 محور العديد من التنقيبات الأثرية، بما فى ذلك تلك التى قامت بها مؤخراً مديرية الآثار فى هيئة البحرين للثقافة والآثار بإشراف المرحوم على إبراهيم وفريق التحقيقات المشترك بين متحف البحرين ومتحف مويسغارد بإشراف د. لارسن، والموقع مرشح الآن بقوة ليُدرج على لائحة التراث العالمى لمنظمة اليونسكو.
كما عُثر على كميات كبيرة من أوعية الفخار والحجر الصابونى من عصر دلمون المبكرة، ويعود تاريخها إلى الفترة التى تم فيها دفن الملك، غير أن القبر نُهب فى العصور القديمة وأُعيد استخدامه كمدفن فى فترة لاحقة. وعلى الأرجح لن يكون بالإمكان تحديد رفات الملك "ياغلي-إيل، إبن ريموم وخادم إنزاك من أغاروم" من بين العظام البشرية العديدة الموجودة فى الموقع.
وزار الكابتن إدوارد دوراند البحرين فى 1878 و1879، وقام بالتنقيب فى إحدى المدافن الملكية فى عالى وأجرى عدة تحقيقات أثرية أخرى فى مختلف أنحاء الجزيرة الرئيسية للبحرين. وفى عام 1879، وجد دوراند الحجر الشهير الذى بات لاحقاً يُعرف باسمه، وهو حجر بطول 80 سنتمتر على شكل قدم بشرية. وكان الحجر وقت "اكتشافه" قد وضِع فى حائط مدرسة مسجد الشيخ داوود فى بلاد القديم. عاد دوراند إلى منزله بلندن جالباً معه الحجر الذى تم تدميره لاحقاً تحت وابل نيران القصف النازى أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان "ريموم" الشخصية الأكثر غموضاً فى الدراسات الدلمونية، حيث لم يكن معروفاً تاريخ الحجر ومن كان هذا المدعو "ريموم". غير أن ذِكر النقش للإله "إنزاك"، الذى كان معروفاً آنذاك عن طريق ألواح طينية وجِدت فى العراق أنه كان الإله الراعى لأرض دلمون، ما قاد فى النهاية إلى تحديد البحرين بأنها أرض دلمون القديمة، وقد كان اسم دلمون مستخدماً من قبل السومريين القدماء فى جنوب العراق، أما اسم المكان "أراغوم" فهناك من يقول أنه فى الواقع الاسم الذى أطلقه الدلمونيون القدماء على دلمون (البحرين). وتوجد نسخة طبق الأصل من الحجر والنقوش فى متحف البحرين الوطنى وفى المتحف البريطانى فى لندن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة