كفانا تخويناً وتكفيراً ومزايدة فلنخلق مساحات من التراحم فيما بيننا
لم أعد أرى من حولى سوى تنامى الاستقطاب الحاد والتطرف الفكرى على الأطراف ليصاب أهل المنتصف «معسكرات الاعتدال الفكرى» بالضيق والإحباط، وهم ينظرون لنزاع عقيم بين ساكنى الأطراف لا رابح فيه بل كلنا خاسرون، فدعونا نتحدث، نخلق مساحات رحبة من الاختلاف، نبتعد عن رجم بعضنا بعضا، فلا نخون ولا نكفر ولا نزايد دعونا نتراحم فيما بيننا، فقد بات منحنى الهبوط نحو الكراهية أسرع مما نتصور، بات لكل طرف قصة وبعد خاص لكل حدث، بات له ضحاياه وشهداؤه، بات له مظلوميته وآلامه، بات له حقد دفين تجاه الأطراف الأخرى، فهو ينحاز فقط لأبناء توجهه السياسى ليصل حد التطرف، إلى أن تقبل الآخر كفر وتخاذل وردة عن المبادئ فقد جهلوا أن فى التطرف هلاك للأمم والأشخاص.
ففى 30 يناير عام 1948 م قام متعصب هندوسى يدعى «ناثورم جوتسى» بإطلاق ثلاث رصاصات نحو جسد «غاندى» النحيل فأرداه قتيلاً، حيث لم ترق لـ«جوتسى» دعوة «غاندى» الأغلبية الهندوسية لاحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبر أن دعوة «غاندى» خيانة عظمى يستحق عليها الموت دونما أن يمنح نفسه مساحة من فهم أسباب دعوة «غاندى» وهى وحدة الهند، فى ظل دعوات انفصالية ظهرت مع اقتراب نيل الهند للاستقلال، وسعى «غاندى» نحو وقف الاضطرابات الدينية التى سقط فيها آلاف الضحايا.
وفى 21 فبراير عام 1965 م اقترب رجل من المنصة خلال إلقاء الداعية «مالكوم إكس» لمحاضرة حول الإسلام فى قاعة مؤتمرات بمدينة نيويورك وأطلق النار عليه ليصيبه ليتقدم رجلان آخران من المنصة، حيث أمطروا «مالكوم» بوابل من النيران فأردوه قتيلاً، قتلة «مالكوم» كانوا من منظمة متطرفة تدعى «أمة الإسلام» وقد اختلفوا مع «مالكوم» الذى كان يدعو لصحيح الدين الإسلامى الوسطى السمح فقتلوه.
وفى 4 إبريل عام 1968م اغتال متعصب أبيض يدعى «جيمس إرل راى» «مارتن لوثر كينج» عندما كان يتأهب لقيادة مسيرة فى ممفيس لتأييد إضراب جامعى النفايات، فقد قتل «راى» «كينج» بدافع الانتقام من شخصيته التواقة إلى مساواة أصحاب البشرة السمراء بالبيض ليكون الحكم على الأشخاص برصيد أعمالهم، وليس بلون بشرتهم لكن كان للتعصب رأى آخر.
وفى 6 أكتوبر عام 1981م كان الرئيس «أنور السادات» جالساً على المنصة فى مواجهة النصب التذكارى للجندى المجهول محتفلاً مع رجال الدولة بذكرى النصر العظيم، وعندما تقدم طابور المدفعية لتحية المنصة توقفت سيارة المتطرف «خالد الإسلامبولى» فى تمام الثانية عشرة وعشرين دقيقة لتصبح أمام المنصة مباشرة ليطلق القناص «حسين عباس» دفعة من الطلقات استقرت فى عنق «السادات» بينما نزل «خالد الإسلامبولى» مسرعاً من السيارة، وألقى قنبلة ثم وجه دفعة طلقات إلى صدر «السادات» الذى سقط قتيلاً.
فقد قتل التعصب والتطرف والتخوين والتكفير والمزايدة «غاندى» و«مالكوم إكس» و«مارتن لوثر كينج» و«السادات»، ولم يقتصر الأمر على اغتيال زعماء الفكر والسياسية، وإنما طال الأمر فى وقتنا هذا الشعوب التى صارت تتقاتل تعصباً وتتناحر تطرفاً وهو ما لسنا فى منأى عنه.
لقد بتنا فى أمس الحاجة لدفع نعرات احتكار الحقيقة، ونبذ أصحاب صكوك الثورات والدفع نحو تقارب مجتمعى لمتعددى الفكر بعيدا عن المتعصبين والمتغطرسين والمزايدين ومنتهجى العنف والمتاجرين بالدين بعرض من الدنيا، فدعونا نتوحد على احترام الاختلاف، فيما بيننا ففى ذلك رقى الأمم وصمام أمن لها فى مواجهة أى أخطار للتفكك أو التشرذم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة