يعتقد الكثير خطأ أن كلمة "ميتافيزيقا" تعنى ما وراء الطبيعة. والواقع أن واضعيها أرادوا منها ما وراء الإنسان وليس الطبيعة كما يتصور البعض .
وهذا التعبير "ما وراء الطبيعة" خطأ واضح، ولكن إلغاءها مستحيلا، حيث يمكن تعميمها " الميتافيزيقا" كاصطلاح على أن يفهم منها أن كل ما يعلو طبقة بعينها من القوانين الكونية يعد بالنسبة لهذه الطبقة مُعرفًا بأنه ميتافيزيقيا، ولو أردنا الصواب لتحدثنا عما وراء الذرة، وما وراء الكيمياء ، وما وراء الفيزياء ، وما وراء الإنسان.
وكما هو معروف أن من صفات القوانين الدنيا أنها أبسط وأهم وأثبت من القوانين العليا ، والتى تزداد فى صعودها تعقيداً وتخصصاً دقيقاً ، ثم أن مرونة القوانين الدنيا أقوى مما يعلوها. بحيث إذا تحللت الذرة مثلاً ، انعدم كل ما فوقها ولم يبق منها إلا أجزاؤها وموجات أثيرية. ثم إذا انحل الجزىء انعدمت الفيزياء تماماً. وعليه إذا انعدم الإنسان نفسه سقطت المعنويات.
وعلى هذا نجد أن لكل معرفة سقف لا تستطيع أن تعلو عليه. وهذا السقف تحدده القوانين التى يخضع لها صاحب المعرفة ذاته.
والمعرفة نوعان ، الأول ؛ معرفة بوجود الأشياء العليا ، وهذا مستطاع لكل ما هو أدنى. والثانى ؛ معرفة حقيقة الأشياء العليا ، وهو مستحيل على ما هو أدنى. وسر ذلك أن كل ما هو أعلى يخضع للقوانين الدنيا كلها وبذلك يمكنه معرفتها أما الشيء الأدنى فلا يمكن أن يدرك وجود الأعلى ، ولا يدرك صفاته إلا فى حدود ضيقة جداً ، وهذا بالنسبة له يعد سقف المعرفة " مثل علاقة الانسان بالله عز وجل" ، ثم "الحيوان بالإنسان" وهكذا.
وعلى ما تقدم تتبين قاعدة كونية عامة ، وهى أن الشىء الأدنى يستطيع أن يعرف بوجود ما هو أعلى ولكنه لا يعرف من صفاته إلا ما يتعلق بالقانون الأدنى ، ومن المستحيل عليه أن يعرف ما هو أعلى منه من القوانين والأشياء ، وحتى بين الطبقات المختلفة هناك تدرج يجعلها منظمة تنظيماً تكون فيه الأشياء والقوانين الدنيا أبسط وأعم وأثبت من العليا التى تزداد تعقيداً وتخصصا وقلقاً.
وأخيراً المعرفة بوجود ما هو أعلى مستطاع لما هو أدنى.
ولكن معرفة الشيء الأدنى بكنه ما هو أعلى محدود بسقف ، وهو قوانين الشيء الأدنى ، ولله سبحانه حكمة فى خلقه.
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة