د. محمد على يوسف

ليس بالشغف وحده يحيا الإنسان

السبت، 12 نوفمبر 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد يبدو العنوان هذه المرة مناقضًا لما كتبته فى الجزء الأول من هذا المقال، حين اجتهدت لإثبات أهمية الشغف الفائقة، وكيف أنه وقود الحياة.. وهذا لم يزل بعد ما أراه.
 
الشغف والحب والعشق والحماس، كل ذلك هو روح الأشياء وما يعطيها حلاوتها وقيمتها.لم أزل أعتقد أن الفارق بين وجود الحياة فى أى شىء من عدمه هو ذلك الشغف.
 
لكن هل هذا، على أهميته، يعنى أن فقدان الشغف يعنى فقدان الشىء؟!
 
الحقيقة، أن هذا هو السؤال الأهم الذى ينبغى أن نسأله لأنفسنا، ونحن بصدد الحديث عن الشغف، بدلا من السؤال الآخر الذى طُرح بكثرة بعد المقال السابق، وهو كيف نصل إلى الشغف ونجدده إن خبا بريقه؟!
 
وهذا السؤال الأخير على أهميته وبديهيته، إلا أن إجابته صعبة للغاية إذ الشغف فى الأصل ليس كسبيا، ويصعب تكلفه، وحتى إن سلك الإنسان سبل الوصول إلى حب الشىء، فيصعب أن يصل عبرها لوهج العشق وحماس الشغف. 
 
جزء كبير من ذلك الشغف متعلق بطبيعة الإنسان، والجزء الأكبر متعلق بهبات ربانية لا كسب للإنسان فيها.
قد ينتقل الشغف كما قلت فى المقال السابق من شخص إلى آخر عبر الكلام والأفعال، فمعايشة الشغوفين تعكس شيئا من شغفهم بلا شك لكن يظل السؤال الأخطر 
 
ماذا لو لم يأت الشغف؟!
ماذا لو فُقد؟!
هنا يبرز وقود آخر فى غاية الخطورة يتعلق به الاستمرار والثبات وتستطيع أن تفرق به بين الصادق والكاذب.. بين الناضج والأرعن.. بين من يستطيع تحمل المسؤولية ومن لا يعتمد عليه.. بين العاقل الذى يدرك أهمية الأشياء وخطورتها بغض النظر عن لذتها وبين الشخص الهوائى أو المزاجى الذى لا يتحرك إلا بقلبه وحسب.
 
هذا العامل الذى يفرق بين كل زوجين من الأصناف السابقة، هو الإخلاص، والحقيقة أن الإخلاص ليس نقيضا للشغف أو مضادا له وكم من شغوفين كان إخلاصهم وقودا لشغفهم كما كان شغفهم مجددا لإخلاصهم.
 
لكن الإخلاص هو معيار الثبات والاستمرار الأهم.
أن يدرك المرء لماذا يفعل هذا الشىء أو ذاك.
أن تبدو له القيمة الكائنة وراء الأشياء.
 
أن يستشرف الأهداف العظيمة والغايات النبيلة والنيات الشريفة التى يؤدى إليها عمله.. عندئذ يثبت حتى لو لم يعشق ويحرك الشغف قلبه، وهذا هو رجل أو امرأة المهام الصعبة، هذا هو من يعتمد عليه حقا.
 
فلئن كان الشغف هو وقود الحياة وسر بهجتها ولذتها واستشعار جماله، فالإخلاص هو وقود استمراريتها وسر الإكمال فى طريقها.. حتى لو لم يوجد الشغف.
 
وتخيل شخصا كان فى البداية شغوفا بما يفيد كرياضة مثلا أو معرفة واطلاع ثم زال الشغف فزالت علاقته بما يفيده، وأهمل جسده وعقله هل هذا هو المراد؟!
 
أو تخيل العكس كأن ينتقل الشغف إلى ضار أو محرم أو سبب إسراف فى شهوة أودت بدينه أو دنياه، هنا يتحول الشغف إلى سكين يذبح.
تأمل  شخصا ربط كل حياته بوجود الشغف وحسب، فلما رحل عن علاقته بزوجه مثلا، رحل هو معه ولم يلتفت إلى بيته أو أبنائه أو تلك القيمة العظمى التى بناها عبر سنوات. قيمة الأسرة.
 
فى هذا السياق، سياق الحديث عن الزواج، تبرز الأية الجامعة «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا»
 
[سورة النساء 19]
تأمل.. هذا النموذج لم يفقد الشغف وحسب بل حلت الكراهية ومع ذلك لم يكن التوجيه الربانى هو الانفصال، ولكن تمت الإشارة إلى أهمية الاعتبارات الأخرى حتى لو لم يدرك المرء بعضها.. اعتبارات الخير الذى يلوح فى الأفق
 
وهذا ما يستشرفه المخلصون، أولئك الذين يدركون حقائق الأشياء، ويبتغونها، حتى إن لم تعجل لهم لذاتها لأنهم ببساطة يدركون الحقيقة.. حقيقة أنه ليس بالشغف وحده يحيا الإنسان.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة