دمار، عنف، لاجئون، أسلحة، حرب، مسلحون، وقف إطلاق نار، وحصار.. عشرات المرادفات للموت ارتبطت مؤخرًا بسوريا مع استمرار الأزمة فيها واقترابها من العام السادس، ولكن وسط هذه الأجواء يحاول بعض السوريين أن يزحفوا بالأخضر على الصورة حالكة السواد التى تظهر للعالم من الخارج من خلال استغلال المساحات الخالية فى بيوتهم وحدائقهم المنزلية وزراعاتها بالخضروات والفواكه، والورود أحيانًا.
فى مجموعات تحمل أسماء مختلفة على "فيسبوك" تجمعوا ليتبادلوا الخبرات حول تجارب "الزراعة المنزلية"، وتعددت أهدافهم بين محاولة توفير مصدر غذائى صحى، ومحاولة مواجهة نقص الأمن الغذائى الوطنى فى ظل الأزمة الحالية وبين ملء أوقات الفراغ وممارسة هواية محببة.
تجارب سورية فى الزراعة المنزلية
"الزراعة المنزلية العضوية".. مصدر لغذاء آمن وتعزيز للأمن الغذائى
"كل شخص لديه مساحة 30-30 سنتيمترًا قادر على الزراعة وإنتاج محصول" هذه القاعدة الأولى التى وضعها المهندس السورى "فادى مجاهد" مؤسس مجموعة "الزراعة المنزلية العضوية"، الذى أوضح فى وصف مجموعته أن "الزراعة لا تحتاج تخصصًا ولا معرفة عميقة وإنما هى فطرة طبيعية يمكن أن يمارسها كل إنسان وحتى الأطفال".
هذه المجموعة التى أسسها "مجاهد" قبل سنوات تضم أكثر من 14 ألف مشاركًا، وتقوم بالأساس على مبدأ "الزراعة المستدامة" ويعنى أن تغطى نواتج هذه الزراعة كافة احتياجاتها دون الاستعانة بأى مواد كيميائية، ودون أى تكاليف.
فادى مجاهد
ويقول "فادى مجاهد" مؤسس المجموعة لـ"اليوم السابع": "من 4 سنوات خطرت ببالى فكرة لحل مشكلة انعدام الأمن الغذائى فى سوريا بسبب الأزمة القائمة، فقمت بدراسة الزراعة من خلال الإنترنت ثم قررت إضافة تخصص أكاديمى لاختصاصاتى.
درست الزراعة العضوية فى معهد تقنى جامعى فى نيوزيلاندا، ثم الزراعة المستدامة فى معهد متخصص فى أستراليا، وبدأت بممارسة الزراعة المنزلية العضوية فى حديقة السطح فوق منزلى".
25 دورة تدريبية تطوعية لتعليم الزراعة المنزلية فى دمشق
لم يكتفِ "فادى" بحديقة السطح فوق منزله، بل قرر أن ينقل خبرته إلى آخرين لينشر الفكرة التى يؤمن بأن بإمكانها "تعزيز مشاعر الأمل عن طريق الزراعة، من خلال الشعور بإعطاء الحياة لكائنات حية أخرى والعناية بها" كما كتب فى وصف مجموعته.
الزراعة المنزلية
وبدأ "فادى" فى تدريس الزراعة المنزلية العضوية بشكل تطوعى ضمن جمعيات خيرية مختلفة، وأقام حتى الآن 25 دورة فى دمشق.
ويقول "فادى": "المجموعة توسعت بشكل كبير ويقترب عدد مشتركيها من الـ 15 ألف عضو، غالبيتهم من سوريا ولكنها تضم أيضًا مشتركين من مصر والعراق والأردن ودول أخرى، وهى الآن أكبر مجموعة باللغة العربية للزراعة المنزلية العضوية".
مزروعات منزلية فى بيت محمد الحمصى
يرى "فادى" أيضًا أن الزراعة المنزلية العضوية تكتسب أهمية خاصة فى سوريا فى ظل الأزمة التى تسببت فى شح الموارد الطبيعية وازدياد أسعار المواد الغذائية ونقص الأمن الغذائى الوطنى، بالإضافة تفاقم مشاكل النفايات فى بعض المناطق المتأزمة وازدياد البطالة بين الأفراد.
تعليم تقنيات الزراعة المستدامة فى المنزل
لا تكتفى مجموعة "الزراعة المنزلية العضوية" بتبادل الخبرات والإجابة على الاستفسارات المتعلقة بالزراعة المنزلية وحسب، وإنما تهتم أيضًا بتعليم تقنيات الزراعة المستدامة فى المنزل، وكيفية إعادة تدوير مخلفات المطبخ واستخدامها فى تسميد النباتات، بالإضافة إلى تجميع مياه الأمطار لتأمين احتياجات الزراعة المنزلية من الماء وكيفية استخراج بذور النباتات تمهيدًا لزراعتها وكيفية إعادة استخدام الأوعية بدلاً من رميها كالزجاجات البلاستيكية وصناديق الفوم.
محمد الحمصى: ظروفنا صعبة ولكن ليست كما تتخيلون
لم يتجه "محمد الحمصى" إلى الزراعة المنزلية بدافع من ضغط الأزمة القائمة فى سوريا، ويقول لـ"اليوم السابع": "صحيح ظروفنا صعبة ولكن ليست كما تتصورون، صورة الوضع فى سوريا تختلف تماما عن الصورة التى تصل للخارج".
محمد الحمصى
ويضيف "أنا تزوجت عام 2015 ومثلى كتار، كل يوم فى ولادات وفى زواج وفى سفر وشغل وموت، حياة مثلها مثل كل الدول، وكل ما هنالك أن الصورة المنقولة على الإعلام بزاوية ضيقة تخدم مصالح وتوجهات معينة سواء كانت للحكومة، أو معادية للحكومة، الكل يحاول أن يسحب البساط لطرفه".
ويضيف "نحن فى النهاية بشر نخطئ ونصيب، وتواجد السلاح فى الشارع يجعل الخسارة فادحة، والخطأ يتحول إلى خطأ فاحش... لا يزال عندى أنا كسورى أصدقاء من كل الطوائف والأديان، ولا يزال العمل ضمن شركتى غير مصنف باتجاه غير اتجاه العمل، وعندما أستقل الحافلة لا أفكر بمن يقودها أو من يركب بجانبى أفكر فقط بالوصول إلى الوجهة التى أنا ذاهب إليها".
وتابع "هذا الوضع هو ما أعيشه فى دمشق، لا أستطيع أن أخبرك عن ما يعيشه الآخرون ولكن الشام هى العاصمة ولدينا تقريبا من كل المحافظات والبعض يدخل ويخرج من العاصمة بشكل يومى تقريبا".
"الزراعة كأفضل حل لحفظ الأطعمة بحالة جيدة"
وعن تجربته مع الزراعة يقول "الحمصى" مؤسس مجموعة "الزراعة المنزلية": "مجموعتى ليست الأولى بسوريا، فهناك عدة مجموعات ناشطة حول الزراعة المنزلية والعضوية وزراعة الزهور، أتابعها جيدًا وبيننا تعاون.
وبالنسبة لمجموعتى، ففكرتها تقوم على الزراعة المنزلية بكل تفاصيلها، بغض النظر عن نوع النباتات المزروعة، طالما تزرع فى المنزل سواء كانت للأكل أو الزينة، وسواء كانت مزروعة بطريقة عضوية أو أسمدة كيماوية".
ويضيف "قبل إنشاء المجموعة تولد عندى اهتمام بفكرة أن يكون فى كل بيت خزانة تشبه الثلاجة فى عملها، عندما نفتحها نجد فيها مجموعة من الأعشاب والخضار المستخدمة فى المطبخ، تستطيع أن تحفظ الأطعمة بحالية الحياة، أو ما نصفه بكلمة "طازجة".
نباتات مزروعة منزليًا فى سوريا
تولدت هذه الفكرة عندى أثناء خدمتى العسكرية، واكتشفت فيما بعد أن أفضل شىء يطيل عمر الخضروات هو أن تكون على قيد الحياة أصلاً لأنه بمجرد خروج النباتات من التربة تفقد الكثير من قيمتها الغذائية، خاصة حين يطول وقت تخزينها، ومهمة التبريد تكون إدخالها فى حالة من السبات للتقليل من هذا الفقد لكنه يبقى مستمرًا.
وجدت أن أفضل طريقة لحفظ الخضروات حية هو الزراعة المنزلية، فاستخدمت علبتين من الفلين الذى يستخدم عادة لنقل الخضروات والفواكه وزرعت فيها نبات النعناع وكانت الكمية كافية تمامًا للعائلة فاستغنوا عن شراء النعناع من السوق سواء أخضر أو مجفف، وحاولت تطوير الفكرة فيما بعد ودخلت الإنترنت، وفوجئت أن هناك أشخاصا آخرين لديهم اهتمام بالزراعة ولكن بأفكار مختلفة، وعندهم مجموعات ولكنها قليلة التفاعل فعرضت عليهم التعاون وشاركت معهم.
يعمل "الحمصى" على تطوير نفسه ولم يتوقف عند تجاربه التى يعتبرها "تجارب هواة" ويقول "جربت الزراعة على الماء بدون تربة، وهو الأمر الذى يناسب جو المدينة حيث يصعب وجود التربة الصالحة للزراعة، زرعت فى الأسبوع الأول 6 خسات وبعد أسبوع عندما شاهدت بداية النتائج تابعتها بستة أخرى".
خس مزروع منزليًا
يضيف "كمية المياه المستخدمة كانت مذهلة، وكمية السماد أيضًا، والنتائج أكثر من رائعة... ولازلت أعمل على البحث والتطوير".
الزراعة لا تحتاج وقتًا.. تحتاج شعورًا بالمسئولية
يؤمن "الحمصى" بأن الزراعة المنزلية لا تحتاج الكثير من الوقت وإنما تحتاج شعورًا بالمسئولية، ويضيف "الزراعة بتعطى أكثر ما بتأخذ، يكفى أنك تلعب بالتراب كل يوم حتى تلاقى شعورا بالراحة النفسية، ونمو نبات أخضر بجانبك حدث ممتع بالإضافة إلى اللون الذى يضفى شعورًا لا يوصف على ديكور المنزل.
ويضيف: الزراعة بحاجة لنفس طيبة، فالنبات يتفاعل مع الاهتمام المتوجه نحوه، ولا يستطيع شخص أنانى أن يزرع وينجح معه الزرع، حتى أن بعض الدول تستخدم الزراعة ضمن مناهجها التربوية لتوليد الشعور بالمسئولية بين الطلاب بالإضافة إلى معالجة المشاكل النفسية.
محصول الزراعة المنزلية لأحد الأعضاء
الزراعة المنزلية فى سوريا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة