من خلق هذا العالم الممتلئ بالخير والشر؟ هل جاء مصادفة كما يذهب البعض أم أن هناك خالقا أنشأه ونظمه ويعرف ماضيه وحاضره ومستقبله؟ ربما هذا هو السؤال الكبير الذى يطرح نفسه دائما فى كل العصور، ومنذ قديم والفلسفة مجالها البحث عن (الحق والخير والجمال) ومما يدخل فى إطار "الحق" البحث عن المعرفة وأكثر الأشياء طلبا للمعرفة "معرفة الخالق"، الفلاسفة يناقشون الأمر ثم ينتقل ما يقولون به إلى أجيال تالية وعبر آلاف السنين تتشكل موسوعة معرفية كبرى تحكى قصة الحضارة الإنسانية بأفراحها وآلامها، وفى كتاب "المعرفة والألوهية عند أفلاطون وأرسطو وأثرها على العلاف والفارابى" للدكتور شريف مصباح محمود، يبحث أثر القدماء فى المحدثين، وتحديدا أثرا أفلاطون وأرسطو على متكلمى المسلمين وفلاسفتهم ويختص العلاف والفارابى.
و"أبو الهذيل العلاف" من أشهر المتكلمين فى التاريخ الإسلامى كان يعيش فى البصرة وله 60 كتابا، لكن لم يصل منها شىء، وكان يعيش فى القرن الثالث الهجرى، أما الفارابى فهو الفيلسوف الإسلامى المشهور، وله كتب فى الفلسفة والموسيقى وعلوم أخرى كثيرة.
والكتاب الصادر عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" يهدف إلى توضيح فكرة "العلاف" فى تناوله لنظرية المعرفة وفكرة الألوهية، وبيان مذهب "الفارابى" فى نفس النظرية، كما يحاول المؤلف إلقاء الضوء حول بعض المسائل التى فُهمت فهمًا خاطئًا عن بعض الباحثين.
ويتحدث "شريف مصباح" عن انتقال العلوم اليونانية إلى المسلمين ودواعى الاهتمام بالفلسفة اليونانية من قبل المسلمين، ويتناول المعرفة والألوهية فى القرآن الكريم من خلال تناول المؤلف لإمكانية قيام المعرفة ومصادرها كالحواس والعقل والقلب والخير المنزل.
ويتعرض "مصباح" للمعرفة والألوهية عند أفلاطون وكيف أن أفلاطون اعتمد على العقل كما عرض لمناهج المعرفة ودرجة اليقين فيها وغايتها، كذلك المعرفة الألوهية عند أرسطو الذى ركز فى حديثه على العقل وأشار إلى الحواس الظاهرة والباطنة والحدس.
ويتوقف الكتاب عند أثر أفلاطون وأرسطو فى المعرفة والألوهية على العلاف وعرض هذا الأثر فى المعرفة من خلال تناول مصادر المعرفة عند العلاف وهى العقل والتجربة والشرع والإلهام وموضوعات المعرفة ومناهجها ودرجة اليقين، كما يشمل هذا الأثر التوحيد عند العلاف وخلق العالم عنده وبرهنته على ذلك، ثم ينتقل إلى أثر أفلاطون وأرسطو فى المعرفة على الفارابى، كذلك يتناول أثر الألوهية عند أفلاطون وأرسطو على الفارابى ويتضمن البحث فيها الصفات الإلهية وأدلة وجود الله سبحانه وتعالى وكيف أوجد الله تعالى العالم؟ وبيان حدوثه عند الفارابى.
ومن النقاط المهمة فى الكتاب أن شريف مصباح يحاول أن يوضح "خصوصية" الدين الإسلامى فى صنع نظرية معرفية، وليس أنه عملية "تجميع" و تأثر من الحضارات السابقة، وأرجع ذلك لكون "الإسلام" دين قائم على فكرة التوحيد التى تقتضى نوعا معينا من البحث، هذا البحث لا يغفل الوسائل المختلفة والتى يأتى على رأسها الحواس، فكل المتكلمين والفلاسفة فى الفكر الإسلامى لا يخضعون لسلطة العقل فقط وإن مالوا إليها.
ينتهى الكتاب إلى أن الصورة التى وصلت بها الفلسفة اليونانية إلى المسلمين كانت صورة لا تعبر تعبيرا دقيقا عنها، كما أن "العلاف والفارابى" لم يتأثرا بشكل قوى بأفلاطون وأرسطو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة