ويستمر الحوار مع الذات بنوع من الخشوع والإصغاء، بنوع من التصالح مع الذات، بنوع من الرقى فى البحث عن الجانب المظلم فينا، مع محاولة الفهم، على اعتبار أن الإنسان يفهم ولا يفسر كما هو الشأن بالنسبة للظواهر الطبيعية التى يتم الكشف عن أسبابها الحتمية.
والحقيقة أن السلوك الإنسانى بالغ التعقيد لا نملك سوى تقديم محاولات للفهم والتأويل بنوع من النسبية والذاتية على اعتبار أن الغير كما يقول سارتر هو "أنا ليس أنا" أنا يشبهنى ويختلف عنى: فما يعتبر بالنسبة لى مِؤلما مأساويا ليس بالضرورة كذلك عند الآخر، من هنا تعلمت أن الألم نسبى وأن السعادة هى مجال لنقاش طويل، وإن كان الألم مشتركا فليس بالضرورة بنفس الدرجة والكيفية :فما يجعلنى أنهار من أجله قد لا يحدث سوى ألما بالنسبة للآخر، نقس الشيء بالنسبة للسعادة فقد تكون سعادة العاطل فى العمل وسعادة الفقير فى المال وسعادة العاقر فى البنون.. لتبقى السعادة هى ما نفتقده وما نصبو بشغف لوجوده.
الاختلاف وارد إذن فلماذا نريد أن يشبهنا الناس حين نحكم عليهم من معتقداتنا وأفكارنا ؟
لماذا نحكم عليهم ونحاكمهم من منظورنا الخاص ؟ أليس الاختلاف مطلوبا، بل إن من الاختلاف يأتى أجمل الإتلاف.
لا غرو إذن أن الاختلاف يعنى رغبة فى التكامل بينما فى التشابه تكرار واستنساخ لنماذج مجتمعية عقيمة لن تضيف للإنسانية أى شيء سوى الملل بعد كل محاكمة فيعاود الاستئناف من جديد لتستمر الحياة بنوع من التكرار الممل، بينما نحن نؤمن بالاختلاف كضرورة إنسانية فيها ألفة وانسجام وانفتاح وقبول للآخر حبا فى نفسى وفيه ليسود الوئام ونستنشق الأكسجين بدون تلوث...
علمت أن التوتر يتلف الخلايا العصبية ويفقدها صوابها فتؤثر على أعضاء الجسم ثم تصاب وظائفه بالتعثر أو الشلل
فكيف يعيش إذن الفرد ويضمن بقاءه ؟
ومن تم كيف لمجتمع أن يستمر فى جو مشحون بالغضب والكره والسخط بدون انسجام ؟
هل يمكن للكراهية أن تعطى معنى للحياة ؟ وهل الاختلاف يعنى الكراهية ؟
إن حب الذات لن يتناقض مع حب الآخر، وأن كره الآخر يعكس كره الذات، لسبب واحد معقول هو أننا كلنا فى مركب واحد: إما أن نغرق جميعا أو ننقد جميعا فننجو عندما يعم التفكير الجماعى فى المصلحة الجماعية، عندما تذوب الذات بنوع من الطواعية وبالقدرة على القراءة النقدية الدائمة لها.
أكيد بالتأمل والنظر إلى الماضى نسير إلى الأمام، لذلك نرى فى كل أداة تنقل ونقل (كالسيارة مثلا) ثلاث مرآة كلها تنظر إلى الخلف من أجل الانتقال إلى الأمام. لاحظ أيضا أن السهم لكى يقذف إلى الأمام لابد من جره بقوة إلى الخلف...
لابد إذن من أجل حياة جماعية بنوع من التعاقد الاجتماعى أن تستمر فى جو من الحرية المقننة لا المطلقة السائبة.
ولأن الصداقة أهم من العدل فيجدر بنا أن تعم القوانين الإنسانية الصادرة عن الذات وعن الطبيعة الخيرة فينا، عندها سيعم العدل وسوف ينعم به الجميع بنوع من المساواة والتكافل حينها ستسود قوة الحق ويذوب حق القوة.، ثم سيستشعرها الإنسان بنوع من الرضا على اعتبار أن الضرر إن لحق بالإنسان سيكون دائما غير مقصود مما يؤدى إلى نوع من التصالح مع الآخر ومن تم التصالح مع الذات.
تذوب الذات دائما وسط ذوات أخرى وتستطعم كل أحاسيسها فقط بنوع من الاختلاف والإيمان بالقدرات والكفاءات حينها ستنطلق معبرة عن نفسها بشكل إيجابى يستفيد منه الكل على اعتبار أنها جزء من الكل وعلى اعتبار أن رغبة الإنسان- النابعة من طبيعته الخيرة ومن الجانب الطفو لى فى كل واحد منا - لن تتناقض مع رغبات بعضنا البعض، وإن اختلفت وجهات النظر، يبقى الحل دائما فى الإيمان بالاختلاف كشرط أساسى للوجود الإنسانى كذات واعية مفكرة مريدة، تنبث وتنفى، تقبل وترفض، وتتخيل واقعا بإمكانها الوصول إليه ما دام يوجد كصورة ذهنية فى عقله الشيء الذى لا نجده عند الحيوان لأنه لا يمتلك صورة قبلية لواقع يختاره ويريده ويتحمل مسؤولية قراراته فيه.
عموما يستمر الحوار مع الذات بنوع من القراءة التأملية لهذا الكهف الذى نسكنه والذى يحوى الكنز الذى نريده، وإن أخطأنا يكفينا دائما شرف المحاولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة