الإعلام بالفعل يشكل الرأى العام لكن فى حدود وفى إطار مجموعة من المتغيرات الأخرى
هناك مجموعة من الأوهام والأكاذيب المنتشرة عن الإعلام والإعلاميين، ويتعامل معها الناس والحكومة وأغلب الإعلاميين، باعتبارها حقائق مقدسة، ما يؤدى إلى كوارث حقيقية فى إدراك أهمية الإعلام ودوره، وقوة تأثيره، سواء داخل مصر أو فى علاقتها مع العالم الخارجى، أقول أنها أوهام وأكاذيب لأنها غير منطقية، وتخالف ما استقرت عليها نظريات ونماذج الإعلام، وما انتهت إليه آلاف البحوث عن التأثير الإعلامى ودور الإعلاميين فى مصر وفى العالم.
وتقوم الأوهام المصرية عن الإعلام على نصف الحقائق العلمية، ولكن بعد التلاعب بها، وخلطها ببعض الأكاذيب والمبالغات غير المنطقية، ولعل أهم تلك الأوهام:
أولا: وهم أن الإعلام قادر على صنع الأحداث وتشكيل الرأى العام، كما يشاء، فقد نجح الإعلام الجديد فى صناعة ثورة 25 يناير، بينما نجح الإعلام الجديد والتقليدى فى صناعة ثورة 30 يونيو، وما بين الثورتين فإن الإعلام تمكن من حشد وتعبئة الناس. ثانياً: يستطيع الإعلام بناء أو هدم الوطن والدولة، لأن نشر مجموعة من الأخبار الكاذبة أو المقالات قد تربك الأوضاع الاقتصادية وتؤثر فى سعر الصرف. ثالثاً: يحتاج الإعلام القوى والمؤثر إلى تمويل ضخم وإلى تغييب الآراء النقدية، بحيث يكون هناك صوت واحد قادرا على حشد وتعبئة الشعب.
رابعا: إن هناك فوضى فى الإعلام المصرى، لكن الصحافة بخير، كما قال مكرم محمد أحمد فى مؤتمر الشباب، وإعلامنا يحظى بحريات غير مسبوقة مقارنة بالدول العربية.
خامساً: إن المسؤولية الاجتماعية والوطنية للإعلام تعنى عدم توجيه النقد أو كشف الفساد، لأن ذلك يحبط الناس ويثير مشاعر اليأس، كما يسىء لصورة مصر فى الخارج.
سادسا: نجاح وتفوق الإعلامى يتطلب منه الانفراد بالشاشة لمخاطبة الجمهور وإرشاده، أى يتحول مقدمو البرامج إلى زعماء ودعاة سياسيين ومصلحين اجتماعيين، وقد يتضمن ذلك مهاجمة الخصوم وتشويه أى صوت مخالف، وأحيانا الكذب والتلاعب بالعقول والقلوب. أعتقد أن هذه مبالغات تحتاج إلى مراجعات لأن الإعلام بالفعل يشكل الرأى العام، لكن فى حدود، وفى إطار مجموعة من المتغيرات الأخرى. ولا يمكن للإعلام الجديد أو القديم صنع ثورات، وإنما الظلم الاجتماعى وأسباب كثيرة يدركها الناس، هى فى الواقع التى تصنع الثورات، المؤكد والثابت علمياً أن دور الإعلام يقتصر على عملية نقل الواقع للناس، وهو عندما ينقل ويعكس الواقع، فإنه قد يقع فى أخطاء التضخيم والتهويل أو التهوين والتشويه بحسب أنماط ملكية الإعلام والرقابة الحكومية أو الذاتية المفروضة عليه، لذلك لا يوجد إعلام فى الدنيا موضوعى بدرجة %100، وإنما هناك مستويات ونسب من الموضوعية فى التغطيات الإعلامية.
وأنا ضد نشر أى أخبار كاذبة، لكن لا يمكن أن تؤدى الأخبار الكاذبة أو المقالات غير الموضوعية إلى هدم وطن أو إرباك الأداء الاقتصادى، إلا إذا كانت هناك مشكلات اقتصادية حقيقية فى أرض الواقع، صحيح أن بعض تلك الأخبار تخلق مشاكل وأزمات، لكن مجرد نشر الحقائق يطوق الآثار السلبية للأخبار الكاذبة، ويفضحها.
ولاشك أن الإعلام تحول إلى صناعة، ويحتاج إلى تمويل ضخم، لكن الإنفاق الكبير والاستعانة بأفضل الكوادر لا يصنع إعلاماً مؤثراً، لأن التأثير يعتمد على المصداقية، وتقديم رسائل واقعية تتحدث عن الإنجازات كما تتحدث بدقة أيضا عن المشكلات.
وتبقى إشكالية الأخبار الكاذبة والشائعات التى تنطلق وتنتشر عبر السوشيال ميديا، وهى لن تُحل إلا بمزيد من الحرية والمهنية، وسرعة تدفق الأخبار والمعلومات وإتاحتها للجميع، فضلاً عن تفعيل الدور الاتصالى والإعلامى للحكومة، وهو للأسف دور غائب أو مغيب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة