فى القرن العشرين كانت معظم البلاد العربية ساقطة تحت نير الاحتلال الغربى، فرنسا تطيح فى البعض وتسيطر على ما تبقى، والاحتلال يصنع مساوءه وكوارثه الاقتصادية والاجتماعية ومن هذه الأمراض الاجتماعية كانت "الدعارة" بكل ما تركته على المجتمع من إساءة، والبحرين من الدول التى سيطر عليها الاحتلال البريطانى، وهذه التجربة ظهرت فى العديد من الكتابات التاريخية والسردية.
بعد نحو 30 كتابا أرخ فيها الكاتب البحرينى الراحل خالد البسام لبلاده وللخليج، أصدرت سلسلة "روايات الهلال" عمله الجديد "جراندول"، وهى رواية فارقة تقدم جوانب متعددة مسكوتا عنها فى التاريخ، من خلال أحداث تنطلق من حى البغاء فى المنامة، خلال فترة الاحتلال البريطانى، ترصد الرواية الرق بشكله الإكراهى الذى يعتمد على خطف الفتيات من مناطق بالخليج وجلبهن إلى جراندول، أو الرق المختار بسبب الفقر، وكيف تواطأ الاحتلال مع المنتفعين على الإبقاء على هذا الحى، رغم محاولات شرائه والقضاء على هذه التجارة.
كان الاحتلال البريطانى يتغاضى عن جرائم ترتكب داخل الحى، إلا إذا تسربت أخبارها، مثل واقعة تعذيب امرأة، إلى الخارج والتى نشرتها الصحف البريطانية، فسارع الإنجليز إلى الإعلان للعالم المتحضر، إننا نقوم بدور الانتداب على البلدان الصغيرة، ونضمن كل الحريات بها، ولا نصادر أى شىء يمس حرية البشر فيها، سواء فى الحريات الشخصية كالدعارة، والحريات الدينية كالموافقة على إنشاء الكنائس وحماية الأقليات العرقية". فى الرواية التى تبدأ أحداثها عام 1951 نمإذج بشرية مختلفة.. تجار وطنيون، قوادون، مسئولون بريطانيون، تلاميذ فى الصف الأول الثانوى بهم يبدأ السرد وبهم ينتهى، وبائعات هوى صغيرات، وأخريات متقاعدات بعد أن تقادم بهن العمر فعجزن عن العمل، وأصبحن عالة على الحى، أو بدأن عملا آخر لحسابهن الشخصى خارج جراندول.
تبدأ الأحداث بحى "جراندول" الذى يخايل ألفتيان الصغار كأنه قطعة من الجنة، وتنتهى باحتراقه تماما، وتحوله إلى أطلال، كأنه تعرض لقصف فى الحرب العالمية، وقد بقى جراندول على هذا الحال طويلا، فلم تكن هناك شرطة ولا لذة أيضا، ظل "مجرد بيوت محترقة وبشر رحلوا عنها وتركوها للريح والنيران الجديدة والذكريات والمرح والدموع والتاريخ".
وعن تاريخ الاحتلال البريطانى للبحرين تقول كتب التاريخ، كانت بريطانيا تعتبر الخليج بمثابة بحيرة بريطانية وحلقة اتصال مهمة فى الطريق إلى ممتلكاتها فى الهند. وفى سنة 1861 اعتبرت محمية بريطانية وظلت كذلك حتى حتى سنة 1971 م
المؤلف خالد البسام (1956 ـ 2015) له دراسات منها "تلك الأيام: حكايات وصور من بدايات البحرين"، "القوافل: رحلات الإرسالية الأمريكية إلى مدن وقرى الخليج والجزيرة العربية 1901 ـ 1926"، "صدمة الاحتكاك: حكايات الإرسالية الأمريكية فى الخليج والجزيرة العربية 1892 ـ 1952"، "مرفأ الذكريات: رحلات إلى الكويت القديمة"، "نسوان زمان"، "ثرثرة فوق دجلة: حكايات التبشير المسيحى فى العراق 190 ـ 1925"، إضافة إلى روايتى "لا يوجد مصور فى عنيزة"، و"مدرس ظفار".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة