لابد أن تكون لديك استراتيجية فى الدعاء.. بدايتها أن تجعل لك نصيبا وافرا من الأدعية المأثورة
فى مقال الأسبوع الماضى تكلمنا عن ذلك الحديث الذى يعد من أهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يبين فيه حقيقة العجز وكيف أن العاجز حقا هو من انقطع عن الاتصال بالقوى القادر العزيز الغنى الرحيم، واعتمد فقط على أسباب قاصرة لا تكمل أبدا مهما عظمت، حديث «أعجز الناس من عجز عن الدعاء» السلسلة الصحيحة، لكن هذه الجملة الخبرية لا يحقق الإنسان المراد منها بمجرد العلم بها، ها قد علمت أن العاجز هو ذلك الذى لا يستطيع أن يدعو ويتضرع لربه فهل بتلك المعرفة وحسب قد زال العجز؟! الحقيقة لا.. كثير من الناس يتمنون فعلا ألا يعجزوا عن الدعاء ويرغبون فى فتح الله على قلوبهم وألسنتهم لتلهج بالذكر والتضرع، إلا أنهم لا يكادون يرفعون أيديهم بالطلب والمناجاة إلا وينزلونها بعد دقائق معدودة وقد نضبت خزائن ألفاظهم ولم يجدوا ما يقولونه أو يطلبونه.
فى المقال السابق بينت الحل الأول لهذا العجز وهو استشعار قيمة الدعاء ومعرفة من تدعو وتذكر مقام الربوبية والقدرة التى تجعل المرء يدعو وهو موقن بالإجابة، الأمر الآخر الذى أنصح به لاتقاء العجز عن الدعاء هو محتوى هذا الدعاء كى لا يحدث الجدب وعدم إيجاد ما يقال ببساطة لابد أن تكون لدى الداعى استراتيجية واضحة فى الدعاء.. بدايةً اجعل لك نصيبا وافرا من الأدعية المأثورة.. أدعية النبى صلى الله عليه وسلم.. أدعية القرآن.. أدعية الأنبياء والصالحين التى أخبرنا عنها ربنا فى كتابه، بعد الدعاء بالمأثور تأتى الاستراتيجية المرتبة للدعاء وتدور حوال إجابة صادقة لسؤال محورى ماذا تريد؟ ما الذى تحتاجه من ربك؟! الإجابة عن هذا السؤال تدور حول ثلاثة محاور رئيسية: هم الدنيا.. هم الدين.. هم الآخرة، هذه هى الأمور التى يفترض أن المسلم الطبيعى ينشغل بها، فليقسم الدعاء إذاً على هذه الأقسام، فلنبدأ مثلا بهموم الدنيا، فلتطلب حوائجها ممن خلقها.. مشكلة فى العمل فى الدراسة.. أزمة مالية أو مشكلة أسرية أو معضلة صحية.. تخشى على أبنائك وتتمنى أن يحفظهم ربهم.. قلق على مستقبلك أو تبتغى تحسين أمورك الحياتية أو المهنية.. مرجواتك.. محبوباتك.. مخاوفك، ثم يأتى هم الدين تأمل فى أمنياتك لدينك سواء على مستوى شخصك أو على مستوى الأمة.. تتمنى أن تكون إنسانا صالحا متدينا.. ترجو الهداية والقرب من الله والتلذذ بمناجاته.. تأمل فى حفظ كتابه وفهم كلامه والعمل به.. تتمنى التوبة من المعاصى، وترجو أن يرزقك قلبا سليما لا يُخزى من يؤتاه يوم البعث.. اطلب منه ذلك أو غيره.
أما هم الآخرة فعنه حدث ولا حرج، إنها الحقيقة المطلقة التى ينبغى أن تنال القسط الأكبر من انشغالك.. الهم الذى يكفيك الله به كل الهموم، يمكنك أثناء الدعاء المتعلق بالدار الآخرة أن تتأمل فى مراحلها التى ستسلك لا محالة أكثرها بداية من الخاتمة.. اللحظة الأخيرة.. السكرات.. اطلب منه يحسن خاتمتك ويهون عليك سكرات الموت.. اطلب منه أن يختم لك بطاعة ترضيه عنك ويبعثك عليها.. ثم القبر ووحشته.. ثم البعث والنشور وأهوالهما.. ثم الحساب والسؤال والوقوف بين يدى الملك الحق.. ثم الميزان.. ثم الصراط.. تذكر كل ما تعرفه عن كل مرحلة منهم.. ثم جنة أو نار عياذا بالله.. تعوذ من النار بكل تفاصيلها.. تعوذ من زقومها وغسلينها ومقامعها وضريعها.. تعوذ من دركاتها وويلاتها أبوابها وحرها ولفحاتها.. تعوذ من كل ما تعرفه عنها.. ثم فكر فى الجنة وتفاصيلها التى تتمناها وهذا تحديدا سيشوقك جدا للجنة.. فكر فى مكانك فى الجنة وصحبتك فى الجنة، ستكون جارا لمن؟ وستأنس بمن؟ امرأة فرعون قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة.. تأمل.. عندك.. عند الله.. أن أكون قريبا منك يا رب.. أن أنظر إليك.. وهذا أعظم النعيم.. اطلب وارجو وانهل من الرحمات.. تخيل لو أنك قسمت الدعاء بهذه الطريقة وربنا فتح على قلبك بما لم أتذكر تذكيرك به، هل ستكفيك ساعة أو ساعتين، بل هل سيكفيك يوم أو يومين؟! هل يمكن فعلا بعد كل ذلك أن تعجز؟! تعجز عن الدعاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة