حين غنى سعد الصغير أغنية بحبك يا حمار راحت الأقلام وبعض المتأنقين يتباكون على مستوى الأغنية والفن والحياة فى مصر، وكأن الغناء للحمار عيب وقلة قيمة لأنه من أجل حمار، بينما لا يدرك كثيرون أن واحدة من أهم جمعيات مصر الأهلية التاريخية هى جمعية الحمير المصرية، والتى ترجع بداية تكوينها إلى إنشاء معهد الفنون المسرحية العام 1930 على يد زكى طليمات فقد أنشأها بهدف تمصير المسرح والخروج به بعيدًا عن الارتجال إلى الدراسات العلمية.
وبعد مرور عامين أوعز الإنجليز إلى الملك فؤاد أن المعهد يمثل خطرًا على حكمه، لأنه عندما يتعلم المصريون كتابة المسرح سيخرجون إلى الناس بمسرحيات تشير إلى الفساد، واقتنع الملك فأصدر قرارًا بإغلاق المعهد ورغم المحاولات المضنية من جانب طليمات لإعادة فتح المعهد، إلا أنه فشل، وبعد زواجه من «روز اليوسف» قاد عبر مجلتها حملة لإعادة فتح المعهد، فهداه تفكيره إلى تأسيس «جمعية للحمير» لما يتميز به الحمار من صبر وطول بال وقوة على التحمل وكان الغرض إعادة فتح المعهد، وانضم معه لتأسيس الجمعية شكرى راغب، مدير دار الأوبرا المصرية آنذاك. وبفضل جهود أعضاء الجمعية أعيد فتح المعهد، وانضم للجمعية عدد من أبرز المفكرين والأدباء والفنانين المصريين مثل طه حسين وعباس العقاد، ونادية لطفى، وأحمد رجب، وعند وفاة السيد بدير آخر الأعضاء المؤسسين للجمعية عام 1986 كادت الجمعية تغلق، لولا أن أحياها الدكتور محمود محفوظ، وزير الصحة المصرى الأسبق ورئيسها الحالى المرسى خفاجى، وحتى الآن ترفض الحكومة الاعتراف بها بحجة عدم لياقة التسمية، التى لا توافق التقاليد!
جمعيات الحمير منتشرة فى العالم، وربما لا تعرف حكومتنا ولا الكثيرون، بمناسبة الانتخابات الأمريكية الوشيكة، أن هيلارى كلينتون رمز حزبها الديمقراطى الحمار، فالحمار الذى يتخذه الحزب الديمقراطى الأمريكى شعارا له، تحول إلى رمز للثورة والتمرد منذ عقود طويلة، فقصة الحمار مع الديمقراطيين بدأت سنة 1828 عندما اختار المرشح الديمقراطى لخوض سباق الرئاسة آنذاك أندرو جاكسون شعار «لنترك الشعب يحكم»، وسخر منافسه الجمهورى كثيرًا من هذا الشعار ووصفه بأنه شعبوى ورخيص، فما كان من جاكسون إلا أن اختار حمارًا رمادى اللون جميل المظهر وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الانتخابى «الشعبوى» ضد منافسه، الذى كان يظهر على أنه نخبوى وليس قريبًا من هموم الناس.. وبينما يُعد الحمار أيقونة سياسية وعلامة تجارية تُدر ملايين فى أمريكا إلا أنه فى المشرق مرفوض ومضروب.
ولعل قصة قصيرة كتبها الشاعر أحمد مطر قرأتها وأنقلها لكم بتصرف وبعض الاختصار تعيد للحمار العربى كثيرا من كرامته المهدرة وتجعله مساويا للحمار الأمريكى ويقول فيها الشاعر:
«كان يا مكان فى أحد الإسطبلات العربية مجموعة من الحمير، وذات يوم أضرب حمار عن الطعام مدة من الزمن، فضعف جسده وكاد يقع على الأرض من شدة الوهن، فأراد الأب أن يفهم منه السبب ذلك، فأتاه على انفراد وفقال له: ما بك يا بنى؟ لقد أحضرت إليك أفضل أنواع الشعير.. وأنت لا تزال لا تأكل أخبرنى ما بك. فقال: إنهم البشر يا أبى، فسأله الأب: وما بهم البشر يا بنى، فقال الابن: يسخرون منا نحن معشر الحمير، فكلما قام منهم أحد بفعل مشين قالوا له يا حمار، يصفون أغبياءهم بالحمير ونحن لسنا كذلك يا أبى.. بل نحن نعمل دون كلل أو ملل.. ونفهم وندرك.. ولنا مشاعر.. ارتبك الأب الحمار، ولكن سرعان ما نظر لابنه وقال: انظر يا بنى معشر البشر خلقهم الله وفضلهم على سائر مخلوقاته، ولكنهم أساءوا لأنفسهم كثيرا قبل أن يتوجهوا لنا نحن معشر الحمير بالإساءة، فانظر مثلًا هل رأيت حمارا خلال عمرك كله يسرق مال أخيه؟ هل رأيت حمارًا يعامل الآخرين من الحمير بعنصرية اللون أو الجنس أو اللغة؟ هل سمعت عن قمة حمير لا يعرفون لماذا هم مجتمعون؟ هل سمعت أن حمير أمريكا يخططون يوما لقتل حمير العرب من أجل الحصول على الشعير؟ هل رأيت حمارًا يفرق بين أهله على أساس طائفى؟ هل رأيت حمارًا عميلًا لدولة أجنبية ويتآمر ضد حمير بلده؟ ولهذا يا ولدى أطلب منك أن تحكم عقلك الحمارى وأن ترفع رأسك ورأس أمك عاليا، وتبقى كعهدى بك حمار ابن حمار، فيكفينا فخرا أننا حمير لا نكذب، ولا نقتل، ولا نسرق، ولا نغتاب، ولا نشتم، ولا نرقص فرحًا وبيننا جريح أو قتيل.. أُعجب الحمار الابن بكلمات أبيه وراح يلتهم الشعير وهو يقول: سأبقى أفتخر أننى حمار ابن حمار، ثم أكون ترابا ولا أدخل النار، التى وقودها الناس والحجارة». اللهم اجعلنى حمارا ابن حمار سواء مصريا أو أمريكيا؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة