خبير: الحل فى جذب الاستثمار..وزيادة الصادرات

كيف نواجه "ثالوث المخاطر" فى مصر.. الديون وتراجع النمو والدولار؟

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016 02:30 ص
كيف نواجه "ثالوث المخاطر" فى مصر.. الديون وتراجع النمو والدولار؟ محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار
تحليل محمود عسكر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

طالبت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى تقرير لها الحكومات فى جميع أنحاء العالم بالتركيز على الاستثمار فى الصحة والتعليم للمساعدة فى الخروج من فخ النمو المنخفض وإقناع الناس بأن العولمة لها فوائد ملموسة.

 

 وحذّرت المنظمة فى تقريرها أيضًا أن السياسة النقدية مثقلة بالأعباء وخلقت تشوهات مالية محفوفة بالمخاطر، وقالت إن الاقتصاد العالمى لا يزال يقع فى فخ النمو المنخفض، مؤكدة أن السياسة المالية ينبغى أن تستفيد من تكاليف الاقتراض المنخفض لزيادة الإنفاق وتعزيز النمو.

 

وأشارت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، إلى أن السياسات التجارية المفتاح الأساسى لتعزيز النمو، وأوضحت أن تراجع معدلات التجارة أضر بتوقعات النمو لجميع البلدان، خاصة للاقتصادات الناشئة.

 

 وأضافت أن الاستثمار فى دعم الصحة والتعليم ورعاية الأطفال يعمل على تعزيز النمو الاقتصادى ويضمن توزيع فوائد العولمة والتجارة عبر المجتمع.

 

وأكدت المنظمة، أنه يمكن أن تعزز السياسات التقليدية التى تركز على الاستثمار فى البنية التحتية النمو ولكن استخدام الأموال فى تطوير الصحة والتعليم سيكون له فائدة إضافية تتمثل فى إعادة توزيع فوائد التجارة والنمو الاقتصادى عبر السكان، وهذا من شأنه أن يساعد على ضمان ربح جميع قطاعات المجتمع وزيادة دعم تحرير التجارة لتعزيز النمو.

 

وأعربت المنظمة عن مخاوفها من التشوهات فى الأسواق المالية، مشيرة إلى أن أكثر من 35% من الدين الحكومى لبلدان المنظمة يتم تداوله بعائد سلبى وأكدت المنظمة أن مزيجاً من السياسة الأكثر توازناً من شأنه أن يضع الاقتصاد العالمى على مسار النمو العالى ويحد من المخاطر المالية.

 

من هذا المنطلق جاءت مؤشرات الأداء الاقتصادى المصرى التى أعلنت مؤخرًا كاشفة لحقائق متعددة عن الوضع الاقتصادى والتحولات التى يمر بها خلال الفترة الأخيرة ليس على مستوى التغير فى المؤشرات بقدر ما يكشف عن استمرار مشكلات أساسية فى البنية الأساسية للاقتصاد تحتاج إلى تحول فى الاستراتيجية الاقتصادية الحالية بعيدا عن المسكنات أو الحلول قصيرة الأجل.

 

وكشفت بيانات وزارة التخطيط المصرية أن معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى للبلاد بلغ 3.6% فى الربع الثالث من السنة المالية 2015-2016 مقارنة مع 3.3% قبل عام وبلغ النمو الاقتصادى الحقيقى لمصر 4.3 % فى أول تسع أشهر من السنة 2015-2016 مقارنة مع 4.8 % قبل عام وعزت الوزارة تراجع النمو فى أول تسعة أشهر من السنة المالية الماضية إلى "التأثير السلبى لتراجع أسعار النفط على اقتصادات دول الخليج، بالإضافة إلى استمرار تراجع معدلات النمو فى كل من قطاعى السياحة والصناعات الاستخراجية".

 

وقدرت الوزارة النمو على مدار العام ككل بنحو 4.4% مقابل 3.3% فى تقديرات البنك الدولى، ويعكس التباين فى تقديرات النمو المصرية والدولية يؤكد أن عملية التنبؤ بالمؤشرات الاقتصادية فى مصر تحتاج إلى تعديلات شاملة وجذرية تعتمد فى الأساس إلى التحول من مرحلة التقديرات إلى مرحلة التوقعات من خلال الاعتماد على نماذج اقتصادية وإحصائية مختلفة بما يساعد على تدعيم عملية صناعة القرار الاقتصادى فى مصر بما يجعل الفارق المحقق ما بين المقدر والمحقق فعليا متقاربا فى ضوء الأوضاع والظروف العاملة بما لا يحدث اختلافات كبيرة مثلما يحدث فى الوضع الحالى.

 

كما أن الأساس فى الأزمة الحالية سواء على المستوى النقدى أو الاقتصادى هو عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده بالعملات الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية وتراجع إيرادات الصادرات، وكذلك ضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية أهمها الغذاء مما يضطر الدولة لاستيرادها وأيضا اعتماد الكثير من الصناعات القائمة على المداخلات المستوردة وضعف المكون المحلى بنسب متفاوتة تصل فى بعض الأحيان إلى مجرد التعبئة ويستلزم علاج هذه المشكلات إقامة تنمية صناعية مستدامة فى ظل هيكلة اقتصادية لإقامة صناعات للإحلال محل الواردات من ناحية وتنمية التصدير من ناحية أخرى وتظهر بوادر هذه الاستراتيجية حاليا فى استراتيجية تنمية وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإقامة تجمعات زراعية تصنيعية متكاملة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان فالقرارات التى اتخذها البنك المركزى تعد بداية حقيقية للإصلاح الاقتصادى، لكن يجب أن يتلازم معها إصلاحات مكملة على صعيد بقية المجالات الاقتصادية لإزالة عوائق التصدير والاستثمار من خلال إصلاح اقتصادى حقيقى.

 

ومازال الطلب المحلى هو المحفز الأساسى للنمو الاقتصادى فى مصر منذ سنوات طويلة وفقًا لوزارة التخطيط، وذلك يتماشى مع الاتجاه العالمى الذى بدأت دول مثل الصين والولايات المتحدة فى الاتجاه إليه نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، وهو ما يدفع الدول للاعتماد على الطلب المحلى لزيادة معدلات النمو بعد أن تراجعت الاستثمارات الخارجية وحجم الصادرات فى هذه الدول.

 

ولكن الوضع المصرى يعكس طبيعة مختلفة تماما اقتصاديا فمعدل الاستهلاك قد تجاوز 94% خلال الربع الثالث من العام المالى 2015/2016 و 95% خلال التسعة أشهر الأولى من العام ذاته وهو ما أدى إلى زيادة الفجوة الادخارية إلى 11.2% فى الربع الثالث حيث بلغ معدل الادخار 5.8% فقط مقابل 17% معدل الاستثمار.

 

وقال محسن عادل خبير سوق المال، إن هذا الوضع يستدعى التوجه الاستراتيجى لتقليل الاعتماد على الاستهلاك كمحفز شبه كلى للنمو والاعتماد على محركات أخرى للنمو مثل الاستثمار والصادرات كمحفزات.

 

والتوجه السابق يصطدم بعدة محاور على رأسها أن المنظومة التشريعية المتعلقة بمناخ الاستثمار والمرتبطة بإجراءاته تحتاج إلى عملية مراجعة شاملة بدءا من ضرورة العمل على التأسيس الاليكترونى للشركات وخفض فترة التأسيس وضغط إجراءاته مرورًا بتعديل فى تشريعات تأسيس الشركات وإجراءاتها وضوابط حوكمتها وخطوات انجز التعاقدات معها وآلية تخصيص الأراضى وتوصيل المرافق وصولا إلى تصحيح المنظومة الضريبية وإعادة ضبط منظومة التخارج من السوق وقوانين الإفلاس ووضع آلية ناجزة لفض المنازعات الاستثمارية ويظل أبرز تعديل تشريعى مطلوب مراجعته هو قانون الاستثمار الحالى بحيث يعكس رؤيته الدولة المستقبلية للاستثمار ويتلافى العيوب التى ظهرت فى التطبيق بعد التعديلات التى جرت عليه فى مارس 2015 ولم تنتج الآثار المتوقعة منها حتى الآن، خاصة فى ظل عدم إطلاق خريطة واضحة للاستثمار فى مصر.

 

ويجب الأخذ فى الاعتبار أن النمو المحدود لمعدلات اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر لا يعود فقط إلى العوامل الجيوسياسية بالمنطقة  أو للازمة المالية العالمية التى تلوح فى الأفق فحسب، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل داخلية تتعلق بإدارة مناخ الاستثمار ومعالجة معوقاته والقضاء على التشابكات الإدارية وطول فترة حسم الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات رغم الجهود الإصلاحية التى تتم على هذا المستوى لاحقًا.

 

وفقًا لبيانات وزارة التخطيط فإن حجم الاستثمارات الكلية خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى 2015/2016 بلغ نحو 287.1 مليار جنيه بمعدل نمو 13.7%.

 

من ناحية أخرى فإن منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المسئولة عن رفع مستهدفات النمو الاقتصادى فى الأساس تحتاج إلى معالجة جذرية تضمن تنمية الاستثمارات فى هذا القطاع، ورفع درجة فاعليته من خلال إنشاء كيان مؤسسى متكامل وفقا لأفضل الممارسات الدولية، ويمثل أول نموذج فى الشرق الأوسط لتبنى ريادة الأعمال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يمكن من تعظيم دورها فى التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات، وهى الخطوات التى أعلنت الحكومة عن السعى لوضعها فى قانون لتنظيم قطاع المشروعات الصغيرة و المتوسطة ضمن حزمة تعديلات تتضمن منظومة التراخيص وتخصيص الأراضى والمحفزات لتلك المشروعات مع إنشاء منظومة متكاملة للبنية التكنولوجية لتأسيس وإدارة تلك المشروعات والجارى إعدادها حاليًا بعد مبادرة رئيس الجمهورية لتمويل هذا القطاع بنحو 200 مليار جنيه على مدار 4 أعوام.

 

وفقًا للهيكل السابق فقد تصدر قطاع التشييد والبناء والأنشطة العقارية الاستثمارات الكلية المنفذة بنسبة 17.1% ثم الأنشطة الاستخراجية بنسبة 16.4%.

 

وفى ضوء ما سبق يتضح عمق المشكلة التى يعانى منها قطاع الصناعة والاستثمار كمحركين للنمو الاقتصادى، فأصبح الاعتماد بصورة رئيسية على الاستهلاك بالإضافة إلى أن طبيعة القطاعات التى تقود النمو حاليًا فى مصر تتأثر بصورة أكبر بتغيرات أسعار الفائدة وأسعار الصرف بصورة واضحة.

 

خلاصة الأمر إن السياسة الاقتصادية المصرية الآن بحاجة إلى إعادة توازن عاجل فى ظل "ثالوث المخاطر" الذى يواجهها حاليا متمثلا فى ارتفاع الديون وتدنى نمو الإنتاجية وتناقص الأدوات المتاحة لدى البنك المركزى، فهناك ثمة تطورات تبعث على القلق هى بمنزلة "ثالوث مخاطر" تستحق المراقبة.

 

تتركز المخاطر القائمة فى أن نمو الإنتاجية متدن على غير المعتاد مما يلقى بظلاله على تحسن مستويات المعيشة فى المستقبل، ومستويات الديون المحلية والخارجية مرتفعة بشكل تاريخى مما يزيد المخاطر على الاستقرار المالى ومجال المناورة على صعيد السياسة النقدية ضيق بشكل ملحوظ.

 

من هذا المنطلق فإنه لم يعد بوسع الاقتصاد المصرى التعويل على نموذج النمو الحالى الذى وصل به إلى المفترق الحالى، لهذا توجد حاجة ملحة إلى إعادة موازنة السياسة الاقتصادية للانتقال إلى نمو أكثر قوة وتوازنا واستدامة،  لذا فهناك ضرورة إلى التخلى عن نموذج النمو الذى أصابنا بتلك المعضلة كما أنه من الضرورى التخفيف عن كاهل السياسة النقدية التى ظلت مثقلة بالأعباء لفترة طويلة.

 

ويستدعى ذلك تعديلات جوهرية فى توجهات السياسة المالية والنقدية على حد سواء، وإعادة تصميم السياسة المالية للتأقلم مع دورات الازدهار والكساد على نحو أكثر منهجية، وأن تراقب السياسة النقدية تلك الدورات من زاوية المخاطر الشاملة للمحافظة على توازن الشق المالى من الاقتصاد.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة