البقرة المبروكة فى إحدى قرى البحيرة، مصابة بخلل هيرمونى، يجعلها تفرز لبنا غير صالح للاستخدام الآدمى، ورغم ذلك ذاع صيتها ووقف الناس طوابير طويلة، أمام منزل صاحبها للحصول على جرعة لبن تشفى من كل الأمراض رجال ونساء وشيوخ وأطفال وأميين ومتعلمين، لديهم قناعة تامة بقدرة البقرة الهائلة على إنجاز ما فشل فيه الطب والدواء.
فى بلدنا البقرة تعالج كل الأمراض ونائب العفاريت يطفئ حرائق الجن، وأحد الفلكيين يحضّر روح الرئيس السادات على الهواء مباشرة، وأم أيمن تحلم بأن مرسى جاى لابس أبيض فى أبيض، والفضائيات - دون استثناء - تخصص الساعات للدجالين الذين يقرأون المستقبل.. وأصبحت وسائل النصب والاحتيال والدجل والخرافات، هى أقصر طريق للشهرة وجلب الأموال، والضحك على الغلابة والطيبين، وإن كنت أسأل نفسى كثيرا "مين بيضحك على مين؟"، هل يضحك الدجالون على الناس، أم يخدع الناس الدجالين؟.
لن أتفلسف مثل علماء النفس وأقول إن السبب هو فشل الدفاعات النفسية التى يولد عند الإنسان الانتحار العقلى.. ولن أتحزلق مثل علماء الاجتماع وأقول أنه الاغتراب الناجم عن الجهل الس.. ولن أتسيس مثل النخبة وأقول أن الجهل هو الحصاد للأنظمة الديكتاتورية التى حكمت مصر..
لكن أيا كانت الأسباب فمصر لن تنهض ولن يعلو شأنها، إلا إذا مدت يدها لمن هم تحت خط الجهل، فالفقر ليس البطالة والعشوائيات والعوز والاحتياج، لكنه أيضا الجهل الذى يسيطر على العقول، والخرافات التى أصبحت اللغة السائدة فى وسائل الإعلام وعلى منابر المساجد والكنائس، وفى الكتب والشرائط الصفراء والمواقع الاليكترونية، وفى لبن البقرة المبروكة.
التنمية الثقافية أصعب بكثير جدا من التنمية الاقتصادية، وشق الطرق وإنشاء المصانع وبناء المساكن، أسهل بكثير جدا، من تأسيس عقول سليمة تصون العلم والتقدم والحضارة والمدنية.. وتقدم الدول رهن ببناء الانسان وتعظيم قيمته وتنمية ثقافته.. وذبح البقرة المبروكة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة